لا أعرف من الذى أشار على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن «يخبئ» الإعلان الدستورى الخاص بنظام الانتخاب لمدة يومين فى الجريدة الرسمية.. والسؤال الأهم ما هو العائد من وراء هذه الخطوة؟!.
قد يجيب البعض بالقول ان الأمر برمته مسألة شكلية، وان القانون يخول المجلس العسكرى ذلك؟ وكل هذا صحيح، بل نزيد عليه بالقول إ ن القانون والأمر الواقع يقول إن المجلس العسكرى يملك أن يصدر أى شىء فهو يتمتع بسلطات رئيس الجمهورية والبرلمان معا.
وقد يقول البعض أيضا إن هناك قوى سياسية «تتلكك»، وتتربص بالمجلس العسكرى وتصطاد له كل الأخطاء. وقد يكون ذلك صحيحا أيضا، وإذا افترضنا أنه صحيح، ألم يكن ينبغى على المجلس العسكرى أن يتنبه إلى هذه النقطة؟
ما حدث لم يكن شكليا بالمرة، وحتى لو كان يبدو كذلك، فهو يشير إلى العقلية والطريقة التى يتصرف بها المجلس العسكرى ونظرته إلى أطراف العملية السياسية.
كان مفترضا من الخبراء والمستشارين فى المجلس العسكرى أن يتنبهوا إلى مثل هذه النقطة «الشكلية» كثيرا، ويفترض أنهم يعرفون أن هناك مناخا من عدم الثقة آخذا فى الاتساع بين المجلس العسكرى وبعض القوى السياسية، خصوصا فى أعقاب الخلاف بشأن نظام الانتخاب. ثم ما تردد عن أجواء شهادة المشير طنطاوى فى قضية اتهام مبارك بقتل المتظاهرين، ثم جولة المشير المفاجئة فى منطقة وسط البلد.
فى مثل هذه الأجواء فإن الاشياء التى يراها المجلس صغيرة جدا وسطحية وهامشية مثل الكشف عن التعديل الدستورى بعد وضعه فى الجريدة الرسمية بيومين هو أمر جلل وخطير، لأنه يبعث برسالة وحيدة إلى القوى والأحزاب السياسية خلاصتها «أن المجلس المجلس هو المتحكم الوحيد فى اللعبة السياسية، ولا سبيل أمام الجميع إلا التسليم بما أعلنه».
المجلس اجتمع مع الأحزاب مرة واثنتين وثلاثًا وتناقشوا واتفقوا واختلفوا.. وكان يمكن ببساطة ان يخبر الأحزاب أنه وبعد التشاور مع الجميع فقد استقر الأمر على كذا وكذا، بعد ذلك يخرج متحدث باسم المجلس العسكرى ليقول إنه سيتم إصدار إعلان دستورى مكمل ومجموعة مراسيم بقوانين، أو يعلن ذلك مباشرة عقب إصدارها من رئيس المجلس.
أدرك أن أطرافا فى العملية السياسة كانت سترفض وترغى وتزبد حتى لو اتبع المجلس الأعلى كل الخطوات المنطقية. لكن فى السياسة عليك أن تفعل الصواب والمنطقى ولا تضع نفسك فى موضع الخطأ أو الشبهة.
لو لاحظ أحدكم فإننا نتحدث الآن فقط عن الأخطاء الشكلية، وهذا يعنى شيئا واحدا هو أن أزمة الثقة مستحكمة بين المجلس العسكرى من جهة ومعظم أطراف العملية السياسية من جهة أخرى، ثم بين القوى والأحزاب السياسة نفسها، وهو ما يلقى بظلال من القلق والشك على المستقبل، خصوصا بعد تهديد معظم الأحزاب والقوى السياسية بمقاطعة الانتخابات ما لم يتم تعديل القانون. ثم انه يفترض أن هناك مظاهرة اليوم الجمعة رفعت شعار «جمعة استرداد الثورة» وبعض المشاركين فيها قالوا ان الاعتصام فى ميدان التحرير أمر ليس مستبعدا ولو حدث ذلك فإننا سندخل فى أزمة جديدة قد تستهلك مزيدا من الوقت حتى نحلها، بل وقد تؤدى إلى نسف العملية السياسية برمتها، وتفتح الأمور على كوارث لا يعلمها إلا الله.
نحن فى حاجة ماسة إلى خبراء متخصصين فى اطفاء الحرائق لا اشعالها يرفعون شعار أن معظم النار يأتى من مستصغر الشرر.