التعايش مع فيروس كورونا المستجد، أو «كوفيد ــ19» وما تفرع عنه من متحورات أصبح أمرا ضروريا فى تقديرات منظمة الصحة العالمية، والعديد من خبراء الصحة فى العالم، فالفيروس الذى تسلل إلى كل بقاع الدنيا، عقب إعلان الصين ظهوره فى ربوعها فى نهاية ديسمبر 2019، مايزال قادرا على إحداث ملايين الإصابات وتهديد البشر بالموت، بينما هناك من يتعامل مع هذا الخطر بنوع من الاستخفاف، بل والسخرية فى بعض الأحيان.
قبل أيام، وبعد تفشى «أوميكرون»، أحد متحورات فيروس كورونا الأكثر انتشارا حتى الآن، ظهر متحور جديد فى أستراليا أطلقت عليه سلطاتها الصحية اسم «ابن أوميكرون»، فى وقت كشفت فيه الأجهزة الصحية فى روسيا عن متحور آخر أطلق عليه اسم «نيوكوف»، ناجم عن طفرات فيروسية مستمرة، وفقا لمدير مركز جماليا الروسى للأوبئة ألكسندر جينسبرج.
منظمة الصحة العالمية، بدورها قالت إن عدد المتحورات يزداد بشكل ملحوظ، لكن المتحورات سريعة الانتشار هى التى تشغل العلماء، فى وقت تجاوزت فيه الإصابات عالميا حاجز الـ 375 مليون إصابة، ومع عدد وفيات تخطى الـ5.6 مليون حالة، وبعد أن باتت الإصابات اليومية تقدر بالآلاف فى العديد من البلدان، ومن بينها مصر.
وفى أحدث بيان لوزارة الصحة حتى كتابة هذه السطور، سجلت مصر 2210 حالات جديدة ثبتت إيجابية تحاليلها لفيروس كورونا ومتحوراته، وذلك «ضمن إجراءات الترصد والتقصى والفحوصات اللازمة التى تُجريها الوزارة وفقا لإرشادات منظمة الصحة العالمية»، فيما تم تسجيل 38 حالة وفاة جديدة، وبعد أن بلغ إجمالى العدد الذى تم تسجيله فى مصر حتى الأحد (30 ــ يناير)، 423688 من ضمنهم 356274 حالة تم شفاؤها، و22604 حالات وفاة.
أرقام وزارة الصحة تشير إلى الحالات التى سجلتها وثبتت إصابتها من خلال تحاليل واختبارات المعامل التابعة للوزارة، وهى أرقام بات معروفا أنها أقل بكثير من الواقع باعترافات مسئولى الصحة فى فترات سابقة، لأنها لا تشمل كل الذين أصيبوا بالفيروس ممن عزلوا أنفسهم ذاتيا، أو تعاملوا مع معامل تحاليل خاصة، ويكفى أن ننظر فى محيطنا القريب لنلمس مدى تفشى الوباء.
فى ظل هذا الوضع، هل بات مقبولا ما نراه فى شوارعنا ومواصلاتنا العامة، وعدد من الفاعليات من حالة استهتار، وعدم احترام للإجراءات الاحترازية التى ثبت أنها وسيلة من وسائل الوقاية ومحاصرة الوباء؟ وهل من المنطق أن يظل ملايين المصريين عازفين عن تلقى اللقاحات المضادة لكورونا، على الرغم من امتلاكنا ملايين الجرعات التى وفرتها الدولة مجانا؟!
لا أحد يحدثنا عن حالات فردية تمتنع عن تلقى اللقاح، ولا عن تجاوزات محدودة فى بعض المنشآت بما فيها تلك التابعة للحكومة ولا نقول القطاع الخاص، فمع غياب الرقابة الجادة، هناك العديد من المؤسسات التى تتراخى فى التعامل مع موظفيها غير الملقحين، وتتهاون مع المترددين عليها، ممن لم يتلقوا لقاحا، بل وتتغاضى عن ارتداء هؤلاء وأولئك للكمامات، التى أصبح من يرتدونها كائنات فضائية غريبة.
نكتفى بإطلاق التصريحات عن ضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية، والتباعد الاجتماعى، ونترك المقاهى تقدم لروادها الشيشة جهارا نهارا، ولعل جولة صغيرة فى أى حى من أحياء القاهرة والجيزة على سبيل المثال، كفيل باظهار مدى التراخى فى التعامل مع تلك التجاوزات، فيما الألوف من ركاب المترو والحافلات وعربات الميكروباص لا تعرف الكمامات طريقا إلى أنوفهم، فى تحد صارخ لغرامات الحكومة غير المطبقة.
متحور «أوميكرون» وأولاده، وباقى المتحورات التى اكتشفت، وتلك التى ماتزال تنتظر الظهور، تهدد حياتنا وحياة ملايين البشر، ولا يجب الاستهانة بأخطارها، ومسئولية مواجهتها تقع على الجميع، حكاما ومحكومين، لكن العبء الأكبر يقع على من بيدهم تطبيق القانون.