منذ عامين بالضبط كتبنا فى هذا العمود مقالا «إلا ربع» حول فيلم لست ملاكا إخراج محمد كريم وبطولة محمد عبدالوهاب ونور الهدى وليلى فوزى وسليمان نجيب وعبدالوارث عسر ومحمود المليجى، وأشرنا فى حينه إلى أن المقال بمثابة «إلا ربع» لأن النسخة الكاملة من الفيلم لم تكن متوافرة، ومنذ أيام أهدانى أحد الهواة النسخة الكاملة جدا للفيلم وكان من الواجب كتابة مقال كامل عن هذا العمل الذى تعرض للقطع بشكل متعمد، وقد بررنا هذا بأن السبب سياسى فى المقام الأول، فمن الغريب أن يتم إتلاف أحدث أفلام عبدالوهاب بينما النسخ الكاملة متوافرة وأفلامه الأخرى على اليوتيوب، الآن يمكن القول بأن سبب إتلاف أصل الفيلم جاء بسبب دفاع المؤلف عباس علام عن طبقة الرأسماليين الشرفاء الذين أقاموا المشروعات الصناعية الكبرى قبل يوليو 1952 وذلك من خلال حسن باشا «سليمان نجيب» صاحب مصنع الغزل والنسيج فى حى شبرا وهو الرجل الذى يدافع عن حق العمال فى التظاهر ضده للمطالبة برفع أجورهم وتحسين أوضاعم وهو يقول للمهندس رءوف «محمد عبدالوهاب» أن من حق العمال المطالبة من وقت إلى آخر بزيادة الأجور، كما أن حسن بيه يتعرض لمؤامرات المدير العام للشركة لإحداث وقيعة بين صاحب المصنع والعمال والتخلص من الشركة وبيعها والحصول على عموله من المشترين الجدد، أى أن النسخة الكاملة من الفيلم قد أبقت على أغنيات المطرب ومنها القمح الليلة وعمرى ما هانسى يوم الاثنين وغيرها ولكن تبقى قضية الفيلم التى ضاعت مع الإتلاف هى أن رجال الأعمال فى عام 1946 كانوا رجالا شرفاء يهتمون بتطوير مشروعاتهم، من خلال حسن بك الذى وقع أيضا فى خديعة أن محاميا ادعى له أنه مهندس وقام بتعيينه المسئول الهندسى للمصنع والشىء الغامض فى الفيلم أن رءوف قد نجح كمدير للمصنع هندسيا وتجاريا إلى أن تم اكتشاف حقيقته، وبعيدا عن الجانب السياسى فإن الفيلم امتلأ بعدد كبير من الأغنيات وقصة حب بين رءوف وسعاد ابنة خاله «نور الهدى» الفتاة الضريرة التى تحبه من طرف واحد، لكنه انشغل بابنة الثرى وغنى لها أغنيات جميلة ثم هجرها بلا سبب لمجرد أن سعاد اعتنت به أثناء محنة طبية.
الفيلم فى حاجة إلى إعادة مشاهدة بشكله المتكامل وإلقاء الكثير من الأضواء عليه، فقد اعتدنا أن نرى عبدالوهاب شابا عاطلا فى أفلامه الأخرى ومنها رصاصة فى القلب، لكنه هنا محام ينتحل صفة المهندس، ومن الواضح أن بتر الفيلم ساعد فى عدم فهمه أو وضعه فى مستوى يقل كثيرا عن أهميته الاجتماعية والفنية، وعليه فإن الاستعراضات فى الحفل التنكرى قد شغلت النقاد أكثر من الموضوع الذى حاول كاتب السيناريو غمسه، وأنا لا أدعى أن ما كتبناه هنا يشمل الفيلم فى صورته الجديدة ولكننا ندعو المشاهدين للبحث عن النسخة الكاملة الموجودة لدى الهواة وإعادة رؤيتها، وعلى الجانب الفنى فإن هناك قصص حب متراكبة حكى عنها الفيلم حيث ينتقل رءوف بسهولة بين سعاد العمياء ويسرية الثرية فهو متذبذب فى أغلب الأحيان فإن محمد كريم لم يقدم تبريرا إنسانيا لدرجة أنك لا يمكن أن تتعاطف مع شخصية رءوف الذى يتغنى لفتاتين بنفس الصدق لكنه فى النهاية عبدالوهاب... عبدالوهاب الذى تمتع بدرجة كبيرة من السخاء الفنى حين منح المطربة التى أمامه الفرصة كى تغنى بدلا منه بعض أغنياته الشهيرة وهذه ثيمة تكررت مع مطربات أخريات مثل نجاة على ورجاء وأيضا راقية إبراهيم.