بين الانتخابات القريبة للكنيست والكورونا والتحذيرات من تقدُّم المشروع النووى الإيرانى، إسرائيل تقريبا لا تخصص انتباها لما يجرى تحت أنفها فى الساحة الفلسطينية. السياسيون الإسرائيليون مشغولون جدا. وحتى عندما يُسأل عن ذلك مسئولون كبار فى الجيش، جزء منهم يميل إلى التقليل من أهمية الموضوع. يقال إن الفلسطينيين مشغولون بالأذى الصحى والاقتصادى للكورونا، وبالإعداد للانتخابات التى وافقت عليها فجأة السلطة و«حماس»، والتى يجب أن تجرى فى مايو المقبل. وفى القائمة الحالية لمخاوف المؤسسة الأمنية هم موجودون فى مكان متدنٍّ نسبيا.
من الممكن أن يتضح أن هذا التأويل مغلوط وقصير النظر بصورة خاصة. بعض الذين يعالجون الموضوع يرونه بصورة مختلفة ــ هم يذكّرون بالمرات التى اعتقدت فيها إسرائيل أن لا شىء خارج عن المألوف يهددها من المناطق الخاضعة لسيطرتها المباشرة أو غير المباشرة. هذا كان التفكير عشية نشوب الانتفاضة الأولى فى ديسمبر 1987 («الفلسطينيون قلقون فى الأساس من مشكلات تحصيل رزقهم»)، أيضا عشية الانتخابات الوحيدة التى جرت للبرلمان الفلسطينى فى يناير 2006، عندما فاجأت «حماس» السلطة الفلسطينية والاستخبارات الإسرائيلية بفوزها. الأزمة التى نشبت لاحقا بين «حماس» وبين «فتح» سرّعت سيطرة «حماس» بالقوة على قطاع غزة بعد نحو عام ونصف العام.
بعد أكثر من عشر سنوات من اتصالات المصالحة وتقارير مغلوطة لا نهاية لها بشأن حدوث انعطافة، يبدو هذه المرة أن رئيس السلطة الفلسطينية ينوى جديا الذهاب إلى انتخابات. يبدو أن محمود عباس (أبو مازن) وصل إلى خلاصة أن إجراء الانتخابات هو السبيل الصحيحة للفت انتباه الإدارة الأمريكية الجديدة. لكن فى إسرائيل يزداد التخوف من فوز «حماس» فى الانتخابات. فى القطاع لن يكون هناك طرف يزعزع تأييدها، فى الضفة الغربية سيتدفق الناخبون نحو «حماس» فى ضوء الضعف والفساد الذين تُتهم بهما قيادة السلطة. جزء من عناصر الاستخبارات الإسرائيلية يرون فى ذلك خطرا لا يُحتمل، يمكن أن يتدهور لاحقا إلى اشتباك عسكرى بين «حماس» وإسرائيل.
يرى بعض كبار مسئولى «حماس»، بينهم المُبعَدان من الضفة الغربية، صالح العارورى وخالد مشعل، فى السيطرة السريعة على الضفة الغربية قبل أو بعد نزول عباس عن المنصة، خطوة حاسمة فى تطور الحركة. فى حوار مع المجتمع الدولى، ترفض قيادة «حماس» قبول الشروط الأربعة للجنة الرباعية، وبينها الاعتراف العلنى بإسرائيل. مسئولون إسرائيليون كبار تحدثوا فى الأشهر الأخيرة مع عباس وحذروه من فوز «حماس»، واقترحوا عليه إيجاد طريقة لتجميد التحضيرات الانتخابية خوفا من خسارته. وسألوه: «هل هذا هو الإرث الذى تريد أن تتركه بعدك؟».
من الصعب تخيُّل الدبابات الإسرائيلية تعود إلى شوارع رام الله لتعطيل نتائج التصويت الديمقراطى. ونأمل بألّا تفعل إسرائيل ما فعله الاتحاد السوفييتى الذى غزا الدول المجاورة له فى الخمسينيات أو فى الستينيات ــ ويمكن الافتراض بالتأكيد أن المؤسسة الديمقراطية فى الولايات المتحدة لن تسمح لها بخطوة كهذه.
الطريقة التى ستتعامل بها إدارة بايدن مع الانتخابات فى المناطق تتعلق بصورة غير مباشرة أيضا بعلاقتها بالسعودية. ومن المحتمل أن تولّد مجموعة ظروف نافذة فرصا للسعوديين لتحسين علاقاتهم مع الإدارة وتحسين مكانتهم الإقليمية. ربما حان الوقت بالنسبة إلى الرياض لإحياء المبادرة السعودية التى قدمها ولى العهد آنذاك عبدالله فى سنة 2002 وتبنتها الجامعة العربية. خطوة كهذه مترافقة مع تطبيع بين السعودية وإسرائيل واستئناف جوهرى للمفاوضات الإسرائيلية ــ الفلسطينية يمكن أن تعيد خلط الأوراق فى الشرق الأوسط (بالإضافة إلى أنها ستدفع الإيرانيين إلى الجنون).
فيما يتعلق بإيران، أخيرا جرى فى إسرائيل الأسبوع الماضى نقاش استراتيجى بطلب من وزير الدفاع بنى جانتس. استجاب رئيس الحكومة لضغوط جانتس، وجمع القيادتين السياسية والأمنية لفحص عميق للتغييرات التى حدثت مؤخرا، وعلى رأسها توجُّه بايدن إلى الانضمام إلى صيغة محدّثة للاتفاق النووى مع طهران. فى الفترة المقبلة من المفترض أن يُستأنف الحوار الاستراتيجى بين إسرائيل والإدارة الجديدة، وعلى رأسه المسألة الإيرانية.
يواصل نتنياهو إنتاج خط مواجهة. يقول إن على القيادة الإسرائيلية واجبا تاريخيا بأن توضح للعالم مدى فظاعة الاتفاق المعدل. جانتس ووزير الخارجية جابى أشكنازى، يعتقدان أن من واجب إسرائيل العمل مع الأمريكيين ومحاولة التأثير فى مواقفهم قبل توقيع الاتفاق. هذا الخلاف لن يُحسم قريبا. نتنياهو لن يسمح بحوار جدى قبل انتخابات الكنيست، أى بعد أقل من شهر. ثمة شك فى أن أحدا سيتحرك بعدها ما دام هناك حكومة مؤقتة. فى هذه الأثناء، على ما يبدو سيبدأ الأمريكيون الحديث مباشرة مع الإيرانيين.
محلل عسكرى
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية