أحيا الفلسطينيون، ومناصرو القضية الفلسطينية فى العالم قبل أيام الذكرى السنوية ليوم الأرض الذى يصادف 30 مارس من كل عام، والذى يأتى فى ظل ظروف بالغة الصعوبة فى الأراضى الفلسطينية عموما، وفى قطاع غزة خصوصا، حيث تتواصل عمليات القتل الوحشى والدمار المفتوح على تهديد باجتياح قوات الاحتلال الصهيونى مدينة رفح التى يتكدس فيها أكثر من مليون ونصف المليون نازح يواجهون شبح الموت بين لحظة وأخرى.
يوم الأرض الذى يذكرنا من عام إلى عام بنضال فلسطينى لا يتوقف من جيل إلى جيل منذ وعد بلفور المشئوم عام 1917 ومرورا بنكبة عام 1948، وحتى الانتفاضات المتوالية، ولعل الاحتجاج الشعبى الذى وقع فى 30 مارس عام 1976 فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، خير دليل على مدى تمسك الفلسطينيين بأرضهم، ودحض كذبة تخليهم عن بيوتهم كما تروج بعض الأبواق المتصهينة من وقت لآخر.
ففى 30 مارس قبل 48 عاما هب فلسطينيو الداخل للدفاع عن الأرض التى يملكونها فى منطقة الجليل بعد أن صادقت الحكومة الإسرائيلية فى 29 فبراير 1976 على مصادرة تلك الأراضى، فى إطار مخطط لتهويد المنطقة وزرع المستعمرات فيها، فهدد الفلسطينيون بالإضراب الشامل واستباقا لأى مواجهة، أعلنت سلطات الاحتلال حظرا للتجوال فى القرى التى شهدت مصادرة تلك الأراضى مساء 29 مارس، وهددت بإطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين لمنع تنفيذ الإضراب.
وعلى الرغم من التهديدات الإسرائيلية تصاعدت حدة الصدامات بين المحتجين الفلسطينيين وقوات الاحتلال فى اليوم التالى ما أدى إلى سقوط 6 شهداء وعشرات الجرحى، فضلا عن حملة اعتقالات واسعة، حيث تركزت الاحتجاجات فى الجليل، والمثلث خاصة فى بلدات عرابة ودير حنا وسخنين فى شمال فلسطين المحتلة، وامتدت إلى صحراء النقب فى الجنوب.
واكتسب يوم الأرض، كما يقول لطفى وادى الرمحى مؤسس صفحة البيارة الفلسطينية للتراث والفنون، أهمية كبيرة لدى الفلسطينيين، كونه أول صدام يحدث بين الجماهير الفلسطينية فى أراضى الداخل المحتل والسلطات الإسرائيلية. وإضافة إلى رمزيته يعتبر يوم الأرض فرصة للفلسطينيين للتعبير عن هويتهم الوطنية وارتباطهم العميق بأرضهم وتراثهم الثقافى.
إذن لم يكن غريبا أن تشهد العديد من العواصم العربية والأوروبية قبل أيام خروج المسيرات والتظاهرات المناهضة للاحتلال الإسرائيلى، تزامنا مع ذكرى يوم الأرض، وأن ترفع الشعارات المطالبة بوقف الحرب على قطاع غزة، ومحاكمة إسرائيل على جرائمها بحق النساء والأطفال الذين يتعرضون لأوسع عملية إبادة جماعية وتطهير عرقى فى القطاع فى الوقت الراهن.
يوم الأرض فرصة للتذكير بأن هناك شعبا له أرض جرى سلبها بالقوة، واقتلاع أهلها لزرع غرباء تم جلبهم من بقاع غريبة لتنفيذ مخطط شيطانى، يستهدف نهب ثروات المنطقة، وإضعاف أبنائها لصالح قوى لا تزال تمد قوات الاحتلال بالمال والسلاح، لضمان تأمين مصالحها، على حساب خراب المنطقة، التى تحولت للأسف إلى كتلة من النيران المشتعلة فى السنوات الأخيرة.
يدفع الفلسطينيون الآن، كما دفعوا فى الماضى، ثمن دفاعهم عن أرضهم، بتقديم المزيد من الشهداء، بينما يفشل المجتمع الدولى، والأمم المتحدة فى إجبار إسرائيل على الوقف الفورى لإطلاق النار الذى تبناه مجلس الأمن فى قراره رقم 2728 الصادر فى 25 مارس الماضى، والذى يبدو أنه لن يرى النور فى ظل المماحكات الإسرائيلية الأمريكية بشأن الاجتياح البرى لمدينة رفح.
وإلى أن يمتلك المجتمع الدولى، والبلدان العربية فى القلب منه، القدرة على مواجهة التجبر الإسرائيلى برعاية أمريكية، سيظل مئات الألوف من الفلسطينيين تحت سيف التهديد بالقتل، والتجويع على مرأى ومسمع من مئات الملايين حول العالم، فى مأساة إنسانية تفضح الضمائر التى اختارت الصمت أو المباركة لما يدور على أرض فلسطين.