نشرت مجلة Foreign Policy مقالا للكاتب محمد هلال يعرض فيه أسباب التعنت الإثيوبى للوصول إلى اتفاق بشأن سد النهضة.. نعرض منه ما يلى.
منذ ما يقرب من عقد ومصر وإثيوبيا والسودان يتفاوضون بشأن سد النهضة الإثيوبى بدون الوصول إلى اتفاق. كُتبت التقارير الفنية، وصُدرت العشرات من التصريحات، وعُقدت مئات الاجتماعات.. ومع ذلك، لا يوجد سوى قليل قد تم لحل هذه الأزمة ــ باستثناء معاهدة 2015 التى قدمت إطارًا قانونيًا لتنظيم المفاوضات.
السبب الرئيسى لفشل هذه الجهود هو وجود اختلاف جوهرى حول الغرض من هذه المفاوضات. تسعى مصر إلى اتفاق يحقق منفعة جميع الأطراف: أن تكون إثيوبيا قادرة على توليد الطاقة الكهرومائية من سد النهضة مع تقليل الضرر على مجتمعات المصب فى مصر والسودان. إلا أن هدف إثيوبيا هو استغلال هذه المفاوضات لتأكيد السيطرة على النيل الأزرق، أكبر رافد لنهر النيل، وإعادة تشكيل التضاريس السياسية لحوض النيل.
لغز المجارى المائية العابرة للحدود هو أن دول المصب غالبًا ما تبنى اقتصاداتها على ضفاف النهر قبل أن تبدأ دول المنبع فى تطوير حاجتها وقدراتها على استغلال هذه الموارد الطبيعية المشتركة. وهذا هو الحال فى حوض النيل. اعتمدت مصر طوال التاريخ كليًا على النيل من أجل بقائها. إثيوبيا، من ناحية أخرى، بلد منبع غنى بالمياه وقد بدأ مؤخرًا استخدام العديد من أنهاره العابرة للحدود لتحقيق التنمية من خلال بناء سدود لتوليد الطاقة الكهرومائية.
إن التوفيق بين احتياجات إثيوبيا التنموية وحتمية بقاء مصر تحديًا يمكن التغلب عليه، إلا أن المأزق يكمن فى أن ما يحدث فى دول المنبع دائما يؤثر على دول المصب ويمكن أن يعرض ملايين الأشخاص للآثار المدمرة لنقص المياه. هذا الخطر واضح فى حالة سد النهضة، والذى سيكون أكبر سد للطاقة الكهرومائية فى أفريقيا بسعة تخزين تزيد عن ضعف سعة سد هوفر بالولايات المتحدة. إذا تم ملؤه وتشغيله دون اتفاق مع مصر والسودان، فسيكون لسد النهضة آثار كارثية على مجتمعات المصب. فى الواقع عندما بدأت إثيوبيا من جانب واحد فى ملء سد النهضة فى يوليو الماضى عن طريق حجز ما يقرب من 5 مليارات متر مكعب من المياه بشكل سريع، عانى السودان من اضطرابات فى أنظمة إمدادات مياه الشرب ومرافق إنتاج الطاقة الكهرومائية. وكدليل على القلق المتزايد بشأن قرار إثيوبيا لملء السد وعدم إحراز تقدم فى المفاوضات، أعلنت الولايات المتحدة توقيفا مؤقتا لجزء من المساعدات الأمريكية لإثيوبيا.
توسطت الولايات المتحدة فى اتفاقية تمكن إثيوبيا من توليد الطاقة الكهرومائية من سد النهضة بسرعة وبشكل مستدام مع الحد من الآثار الضارة للسد. وبينما قبلت مصر هذه الاتفاقية ووقعت عليها بالأحرف الأولى، رفضتها إثيوبيا. وبعد ذلك أجريت جولتان من المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، حضرها مراقبون من الاتحاد الأفريقى، والاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة. خلال هذه المحادثات، اقترحت مصر والسودان حلولًا متعددة تحقق المنفعة للجميع؛ ضمان إنتاج سد النهضة للطاقة الكهرومائية مع تقليل آثاره السلبية. إلا أن العناد الإثيوبى استمر.
السبب هو أن هذه المفاوضات بالنسبة لإثيوبيا أكثر من مجرد التفاوض على السد وقيمته الاقتصادية. فإثيوبيا تعتبر السد أداة لممارسة سيطرة غير مقيدة على النيل الأزرق، ولتحرير نفسها من قيود القانون الدولى التى تنطبق على جميع الدول النهرية التى تشترك فى مجارى المياه الدولية، ولإجبار مصر والسودان على تقسيم مياه النيل الأزرق بشروط إثيوبية.
انعكست هذه الدوافع فى مقترحات إثيوبيا خلال المفاوضات هذا العام، مثل النص الذى أرسلته إثيوبيا إلى مجلس الأمن فى يونيو. مقترحات إثيوبيا تظهر رغبتها فى عدم إبرام اتفاق ملزم قانونيا، كما رفضت إدراج أى آلية ملزمة لحل النزاعات واقترحت بدلا من ذلك حل الخلافات من خلال التفاوض والوساطة.
فى غضون ذلك، تطالب الحكومة الإثيوبية مصر والسودان بالتوقيع على وثيقة تمنحها الحق فى تعديل شروط ما سيتوصل إليه من اتفاق بشأن سد النهضة من جانب واحد. وتصر على أن أى اتفاق يجب أن يمنح إثيوبيا الحق المطلق فى القيام بمزيد من مشاريع التنمية وتعديل اتفاقية سد النهضة لاستيعاب محطات مياه جديدة فى المستقبل. إلا أن ذلك يتطلب فعليًا من مصر والسودان التخلى عن حقوقهما وتحويل نفسيهما إلى رهائن لإثيوبيا.
وتطالب إثيوبيا أيضًا بأنه يجب على مصر والسودان الانضمام إلى اتفاقية الإطار التعاونى، وهى معاهدة تم تصميمها قبل عقد من الزمان لإدارة مياه النيل، لكنها افتقرت إلى الدعم اللازم لتدخل حيز التنفيذ. علاوة على ذلك، تصر إثيوبيا على وجوب إنهاء أى اتفاق بشأن سد النهضة إذا لم توافق مصر والسودان على تخصيص حصص معينة من مياه النيل للدول الواقعة على ضفاف النيل الأبيض، الرافد الرئيسى الآخر لنهر النيل، فى غضون عقد من الزمن، على الرغم من أن النيل الأبيض لا يتدفق عبر إثيوبيا.
باختصار، تسعى إثيوبيا إلى إنشاء نظام هيدرولوجى جديد تتحكم فيه فى توزيع مياه النهر متجاهلة حقائق الجغرافيا التى جعلت بقاء مصر معتمدا على النيل.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://bit.ly/349JIM9