لقد كنت محظوظاً هذا العام والسبب هو تمكني من حضور معرض القاهرة الدولي للكتاب لأول مرة منذ عشر سنوات! السبب هو أن المعرض كان يبدأ في وقت متأخر من يناير والدراسة تبدأ في نيويورك حيث أعمل قبل بداية المعرض، هذا العام بدأ المعرض مبكراً وتأخرت الدراسة عدة أيام عن كل عام ولهذا تمكنت من اللحاق بالمعرض وقد زرته على مدار يومين في كل يوم منهما حرصت على أن أكون هناك مع بداية فتح الأبواب ولا أنصرف قبل ميعاد الإنصراف الرسمي أو قبله بقليل! في هذا المقال سأروي تجربتي ونظرتي الشخصية لمعرض الكتاب هذا العام علها تكون مفيدة، وقد حضرت معرض الكتاب عندما كان في المكان التي تحتله دار الأوبرا الآن (لكني كنت صغير السن وذهب إليه مع أهلي) كما حضرته عندما كان في أرض المعارض وهذا العام أحضره في مكانه الجديد.
هذا المكان الجديد وإن كان أبعد قليلاَ فإنه مجهز أفضل كثيراً من المكان القديم وشكله مشرف فعلاً وأفضل للكتب من الخيام التي كانت متواجده في المكان القديم.
أول ملاحظة هي الإقبال الكبير خاصة من الشباب على المعرض، الإقبال كان على الكتب وشراء الكتب وليس مجرد نزهة وتناول الطعام في الحدائق حول قاعات الكتب، لاحظت ذلك عندما رأيت الشباب يخرجون من المعرض بحقائب مملوءة بالكتب ولاحظته من الطوابير الطويلة عند الناشرين المختلفين في أجنحة المعرض لدفع ثمن ماوقع عليهم إختياره من الكتب، وقد رأيت الكثير من الشباب يتناقشون حول عناوين الكتب ويتبادلون الآراء حتى وهم يجلسون للراحة في المقاهي المتناثرة حول صالات العرض، كل هذه الآثار تدل على أن من تجشم عناء القدوم من مسافات بعيدة جاءوا من أجل الكتاب ليس من أجل الطعام أو التنزه وهذه علامة صحية جداً، ولكن هل تكفي؟
أن يبدأ الشباب في قراءة الكتبا بدلاً من الإكتفاء بعدة سطور على مواقع التواصل الاجتماعي فهذا شيء ممتاز ولكن على جماله فإنه يظل خطوة أولى يجب أن تليها خطوات حتى نبني مجتمعاً علمياً مثقفاً، الخطوة التالية هي نوعية الكتب التي يقرأونها، الكثير من القراء يقرأون روايات فقط، الجانب الأكبر من الكتب في المعرض خاصة الكتب الجديدة هذا العام هي روايات، لن ندخل في نقاش دار كثيراً من قبل حول أهمية الروايات خاصة الجيد منها في تنمية الذوق والإحساس بالآخر ... إلخ، لكن بالإضافة إلى ذلك نريد ما ينمي التفكير النقدي عند الشباب وما يغذي معلوماتهم عن أمور تمس حياتهم مثل تدوير القمامة والطاقة البديلة والمياه وما شابه، نريد أيضاً من يعرف الشباب تاريخهم وكيف يستفيدون من الماضي في تفسير الحاضر والتحضير للمستقبل وقد وجدت في المعرض كتباً تاريخية رائعة مثلاً هناك عدة كتب عن ثورة 1919 نظراً لأننا هذا العام في عيدها المئوي، ما أريد قوله أن المعرض به مؤلفات قيمة في جميع الموضوعات لكن هل يقرأها الشباب؟ نحتاج أن نفكر كيف ندفع الشباب لأخذ الخطوة التالية بقراءة الأعمال الغير روائية بالإضافة طبعاً إلى الأعمال الروائية والشعرية، أعتقد أن أحد الوسائل هي الفعاليات الثقافية.
الفعاليات الثقافية مثل حفلات التوقيع أو مناقشة الكتب هي من الأمور الجميلة جداً في معارض الكتاب، طبعاً السواد الأعظم من الفعاليات هي للكتب الروائية وتتخللها بعض الفعاليات لنوعيات أخرى من الكتب ونرجو أن يزداد عدد الفعاليات التي تهتم بالكتب العلمية فمثلاً في معرض سابق كانت هناك ندوة لمناقشة كتاب بنية الثورات العلمية لتوماس كون، الإكثار من الندوات التي تناقش هذه النوعية من الكتب تشجع الشباب على الإلتفات إلى هذه الكتب وقراءتها، أتمنى في المستقبل أن أرى فعاليات ثقافية تغطي أنواع مختلفة من الكتب الروائية والعلمية والتاريخية والفلسفية ... إلخ.
المشكلة الأساسية في المعرض كانت في ارتفاع أسعار الكتب وهو ارتفاع مبرر نظراً للإرتفاع الكبير في أسعار الورق والأحبار ... إلخ مما يشكل عائقاً أمام بعض الشباب لإقتناء ما يريدونه من الكتب وهنا نرى أهمية سوق الكتب المستعملة والمكتبات العامة التي تسمح بالاستعارة.
تجربتي مع معرض الكتاب هذا العام كانت تجربة ممتعة وكلفتني الكثير من المال نظراً للعدد الكبير من الكتب التي إشتريتها! إقتناء الكتاب متعة وقراءة الكتب متعة والاستفادة منه في الحياة متعة أخرى وفي المعرض حققنا المتعة الأولى!