نحن ذاهبون إلى كارثة محققة إذا استمرت بعض الفضائيات خصوصا برامجها الرياضية فى منهجها الراهن.
معلوم للجميع أن البرامج الرياضية المسائية خصوصا تلك التى تعقب مباريات الكرة المهمة تسجل أكبر نسبة مشاهدة.. والمعلوم أيضا أن جزءا لا بأس به من هؤلاء المشاهدين غير متعلم، أو ذى تعليم بسيط أو حتى حاصل على مؤهل لم يتعلم منه شيئا، وانطلاقا من هذه القاعدة، فإن هذا المشاهد «غير المحصن» جيدا يتعامل مع ما تقوله هذه البرامج باعتباره حقائق لا تقبل الجدل.
عصر الأحد الماضى التقى فريق الأهلى لكرة القدم نادى سانتوس الأنجولى فى بطولة الكونفيدرالية الأفريقية، الشوط الأول انتهى بهزيمة الأهلى بهدف، وفوجئنا بمقدم برنامج رياضى فى قناة تليفزيونية رسمية يلمح بلا مواربة إلى أن مانويل جوزيه المدير الفنى للأهلى خائن ومتخاذل، وأن هداف الفريق أمادو فلافيو عميل ومتمرد.
لأن الأول سيدرب منتخب أنجولا والثانى أنجولى الأصل، وعندما انتهت المباراة بهزيمة الأهلى بثلاثية نظيفة أعقبها خروجه من البطولة بركلات الترجيح، تحولت التلميحات إلى اتهامات مباشرة بالخيانة، وانتقلت من مجرد هفوة أو سقطة لمقدم البرنامج إلى فيروس اجتاح كل مقدمى البرامج الرياضية فى التليفزيون الرسمى والفضائيات الخاصة، بل تحدث مشاهدون عن الأمر نفسه فى قناة الأهلى الخاصة، ونسى بعضهم أن جيلبرتو الأنجولى أحرز هدفا، وأن جوزيه نفسه قاد الأهلى لهزيمة الفريق نفسه قبل أسبوعين بثلاثة أهداف.
لسنا هنا بصدد تحليل المباراة لكن ما حدث يوم الأحد الماضى يؤشر إلى كوارث لا يعلمها إلا الله.
قبل المباراة بلحظات ولسنوات كانت صورة جوزيه فى أذهان وقلوب مشجعى الأهلى والنقاد أقرب إلى صورة الملاك أو القديس، لدرجة جعلت بعضا من هذه الجماهير تطالب بمنحه الجنسية المصرية لكى يظل فى مصر إلى الأبد، وبعد المباراة تحول الرجل إلى خائن.
لأن مجموعة من المذيعين أو مقدمى البرامج الرياضية اعتقدوا ذلك، وقرروا بنفس راضية اتهام المدرب واللاعب بالخيانة، والمؤكد أنهم لا يدركون معنى أو خطورة ما يقولونه قانونيا وسياسيا وأخلاقيا.
أغلب هؤلاء المذيعين غير مؤهلين وغير دارسين وبعضهم يرتكب حماقات قد تقود لكوارث مثل شحن جماهير ناد ضد آخر، واستعداء محافظة ضد أخرى، ووصل الأمر بزميل صحفى للقسم بأنه يملك تسجيلا يصور بعض مشجعى فريق إقليمى يحملون العلم الإسرائيلى نكاية فى الأهلى.
فى معظم إعلامنا الرياضى صار المنطق مقلوبا.. لاعبو كرة القدم يقدمون البرامج والصحفيون والدارسون صاروا هم المحللون والخبراء.
ألم يفكر أحدهم وهو يتهم جوزيه أو فلافيو بأن يقتنع أحد البسطاء أو الجهلاء بكلامهم ويقوم بطعن جوزيه أو فلافيو؟.
لا أطلب الرقابة على هؤلاء أو التدخل ضد حرية تعبيرهم.. هؤلاء مطلوب إبعادهم تماما وبعض معلقى المباريات الجهلاء.. مع أمثال هؤلاء ما حاجتنا إلى أعداء.