بعد أشهر، ومع دخول الرئيس الأمريكى الجديد البيت الأبيض، سيحدث تحول نحو الأسوأ فى وضع إسرائيل؛ فالدعم التلقائى تقريبًا، والذى يشمل التزود بالسلاح والعتاد بأحجام هائلة ومجانًا، والدعم السياسى، الذى يشمل القرارات ضدنا فى مجلس الأمن، والوقوف الأخلاقى إلى جانبنا بصورة تؤثر فى أغلبية زعماء أوروبا، كلها أمور لن تبقى كما كانت.
فالإدارة الأمريكية الجديدة وزعماء أوروبا سيتأثرون أكثر فأكثر بالجمهور المعادى لإسرائيل فى بلدهم. والمطلوب من إسرائيل أن تضع أسسًا لمفهوم استراتيجى جديد، كما عليها أن تختار بين أمرين صعبين ومتعارضَين: إمّا التوصل إلى حسم عسكرى إقليمى، وإمّا التوصل إلى سلام إقليمى. الأمر الأول يستند إلى حقيقة عدم قبول إسرائيل كدولة شرعية، والاستعداد لمحاربتها وتدميرها وهو الأساس الصلب فى معتقدات جزء كبير من الجانب الفلسطينى واستعداداته. بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك حلقة تشكلت حول إسرائيل ذات قدرة عسكرية وجهوزية لمحاربتنا، تضم حزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية فى العراق وسورية، تقف وراءها إيران، وتبنى قدراتها للقيام بذلك.
وإن قرار القضاء على هذه التهديدات هو قرار مشروع، لكن كى يكون فعالًا، فإنه يجب أن يشمل هجومًا ضد المنشآت النووية وإطلاق الصواريخ والنفط الإيرانى. المقصود هنا حرب قاسية يجب خوضها بعد تحليل المخاطر وإعداد الجبهة الداخلية، والحصول على التأييد الأمريكى، ويجب عدم الانجرار إليها بسبب كارثة ارتكبها حزب الله والاغتيالات المركزة والردات التى أعقبتها.
لقد مر العرب فى إسرائيل باختبار هوية صعب، وباستثناء حوادث معدودة من التظاهرات المؤيدة لـ«حماس» ومحاولات القيام بهجمات، فإن «الأغلبية المطلقة» اختارت الجانب الإسرائيلى.. واستنادًا إلى هذه الحقائق، فإن الخيار هو وقف القتال فى غزة، والانسحاب فى مقابل الرهائن، وبعدها ترتيبات لإسقاط حكم «حماس» وإعادة إعمار القطاع المشروط بنزع السلاح، ثم وقف إطلاق النار فى الشمال مع اتفاقات جديدة مع حزب الله. وإن دخول «صفقة سعودية» يتطلب خطوات أولية متدرجة ومشروطة نحو الدولة الفلسطينية.
والحكومة الحالية غير مؤهلة لاتخاذ قرارات بهذا الحجم، إنما وحدها حكومة طوارئ موسعة تستطيع فى حال الخيار الأول الإعداد بصورة صحيحة لمواجهة خطر دخول معركة عسكرية عبر الحصول على تأييد الشعب والولايات المتحدة. كما وحدها حكومة طوارئ موسعة من دون متطرفين تستطيع اختيار وقف القتال والانسحاب من غزة من دون «نصر مطلق»، لكن بدعم من الشعب ومع ضمانات من الدول الكبرى بتغيير الحكم فى غزة ونزع سلاحها، وترميم السلطة الفلسطينية، وصفقة مع السعودية على طريق تسوية إقليمية شاملة. حان الوقت كى يسمو زعماء الأحزاب ويتوحدوا.
ميشكا بن دافيد
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية