يدخل العدوان الإسرائيلى على غزة، شهره العاشر والموقف الاقليمى أكثر تعقيدًا بعد اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» فى قلب العاصمة الإيرانية طهران، الأربعاء الماضى، فى هجوم أشارت أصابع الاتهام فيه إلى تل أبيب، غداة اغتيال القائد العسكرى والرجل الثانى فى حزب الله اللبنانى فؤاد شكر فى بناية داخل الضاحية الجنوبية لبيروت.
وسواء رفعت طهران «علم الثأر» الأحمر على قبة مسجد فى قم، أم لم ترفعه، فإن حلفاء إسرائيل فى الولايات المتحدة أو أوروبا يتوقعون ضربة إيرانية موجعة هذه المرة على خلاف ما جرى فى إبريل الماضى، عندما أطلقت إيران أكثر من 200 صاروخ باليستى لم تحدث فى غالبيتها أضرارًا كبيرة فى إسرائيل.
وعلى عكس هجوم إبريل «المنضبط»، حسب محللين، للرد على مقتل القيادى البارز فى الحرس الثورى الإيرانى، محمد رضا زاهدى خلال هجوم نفذته طائرات «إف-35» على مبنى القنصلية الإيرانية فى العاصمة السورية دمشق مطلع الشهر ذاته، فإن الرد المنتظرخلال الأيام المقبلة سيكون خطيرًا، وسوف يستهدف أهدافًا فى إسرائيل، ويتسبب فى سقوط عدد من الضحايا، والكثير من الأضرار، بحسب تصريحات لمستشار الأمن القومى السابق جون بولتون لصحيفة الشرق الأوسط.
إيران تجد نفسها، هذه المرة، فى حرج بالغ وقد جرحت كرامتها عندما فشلت فى حماية شخصية مهمة بحجم إسماعيل هنية، وبالتالى فإن التوقعات تشير إلى أنه سيكون هناك رد إيرانى قوى، ما جعل الولايات المتحدة تسارع لإرسال مقاتلات إضافية إلى الشرق الأوسط وتقوم بتعزيز جاهزيتها القتالية لمواجهة الهجوم المتوقع من إيران وحلفائها داخل «محور المقاومة» فى لبنان وسوريا والعراق واليمن، وحتى من غزة المدمرة.
ينتظر الجميع هجومًا انتقاميًا إيرانيًا لا أحد يزعم معرفة حجمه أو شكله، لكن المؤكد أن المنطقة مقبلة على المزيد من عدم الاستقرار، وما يتبعه من تداعيات سلبية على الجوانب السياسية الاقتصادية والاجتماعية فى البلدان المجاورة ومن بينها مصر، فلا أحد يمكنه الصمت الطويل، أو يظن أنه سيكون بمنأى عما سيدور عند أطراف أصابعه إذا اتسعت رقعة الصراع، وخرجت الأمور عن السيطرة وانزلقت المنطقة إلى حرب إقليمية متعددة الأطراف.
تعول إسرائيل على واشنطن والعواصم الأوروبية فى حشد تحالف دولى وإقليمى مماثل للتحالف الذى ساعدها فى صد الهجوم الإيرانى السابق فى أبريل الماضى، وقد تستعين إيران بأذرعها المساندة فى المنطقة، لكن إذا ما احتدم القتال لا يمكن لباقى أطراف الإقليم الاكتفاء بالمشاهدة، فنيران الحرائق المشتعلة لن تعطى أحدا رفاهية «ضبط النفس»، فقد يجد هذا الطرف أو ذاك نفسه مجبرًا على الانخراط فى صراع لم يدعُ إليه.
إذن نحن إزاء أفق غائم، وسماء ضبابية، فتداعيات اغتيال هنية،، ستكون أكبر مما يظن من يتعجلون قبر «القضية الفلسطينية»، فهى كالعنقاء دائمًا ما تخرج من تحت الرماد أكثر حضورًا وتأثيرًا، فالخسائر التى منى بها محور المقاومة فى الواقع، لا تعنى نصرًا أبديًا فى صراع ممتد على طريق شاق وطويل قدر من يمشى عليه تقديم التضحيات انتظارًا لما هو آت.
دفع الجزائريون ثمن تحررهم عن فرنسا، وقدم المصريون التضحيات العظام حتى طردوا المحتل البريطانى، وتحررت فيتنام من الغزو الأمريكى بعد حرب ضروس، والتاريخ يقدم عشرات النماذج الأخرى التى تقول إن التحرر من ربقة الاستعمار ودحر المحتل لهما أثمان باهظة.يجد الفلسطينيون أنفسهم وقد تكالبت عليهم الأسلحة الأمريكية الفتاكة، والمساعدات العسكرية والمادية من غالبية العواصم الأوروبية دعمًا لإسرائيل، غير أن موازين القوى لن تظل أبد الدهر لصالح من انحطت أخلاقهم إلى الدرك الأسفل، كما شاهدنا فى افتتاح أولمبياد باريس، وحتمًا سيأتى اليوم الذى لن تضيع معه دماء مئات آلاف الشهداء الفلسطينيين والعرب سدى، «يرونه بعيدًا ونراه قريبًا»، كما قال أبوعمار، رحمه الله.