كتب سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة فى معهد واشنطن تقريرا أوضح فيه أنه خلال الأسبوعين الماضيين اتسع جليا نطاق الانقسام القائم منذ فترة طويلة فى صفوف العائلة المالكة السنية فى البحرين حول كيفية إشراك غالبية سكان الجزيرة من الشيعة بعد انهيار المحادثات مع حركة المعارضة الرئيسية ثم إحيائها بشكل مفاجئ. وهذا التقلب، الذى يرجع جزئيا على الأرجح إلى الضغوط الأمريكية والأوروبية، يتسق مع أسلوب قيادة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذى غالبا ما يتسم بالتردد. بيد أن التطورات الأخيرة قد تدفع إلى حالة من الحرب السياسية المفتوحة بين أقاربه من المعتدلين والمتشددين. فعضو العائلة المالكة الرئيسى المؤيد للتوصل إلى تسوية هو النجل الأكبر للملك، ولى العهد الأمير سلمان، بينما يتجمع المتشددون حول عم الملك، الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، الذى يشغل منصب رئيس الوزراء دون انقطاع منذ عام 1970.
•••
أشار الكاتب إلى أنه على مدى عقود، كانت الرواية الأساسية لسياسات البحرين تقوم على خضوع غالبية السكان الشيعة الفقراء نسبيا والمحرومين من الحقوق لحكم الأقلية السنَّية. لكن منذ قيام الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 ظهر عامل إضافى، وهو: الفكرة بأن الشيعة البحرينيين يتعاطفون مع اخوتهم فى الدين فى إيران ومن ثم لا يمكن الوثوق بهم. ورغم أن هذه الرواية غير دقيقة إلا أنها كانت صالحة بصفة خاصة منذ فبراير 2011، عندما قامت شرطة مكافحة الشغب البحرينية ــ التى تم دعمها فى النهاية بقوات سعودية وإماراتية ــ بعمليات قمع وحشية ضد الاحتجاجات المحلية التى خرجت تحاكى مظاهرات «الربيع العربى» التى اجتاحت أجزاء أخرى فى المنطقة. وفى غضون ذلك، تلوثت رواية الحكومة المفضلة للتطور السياسى الحذر ــ كما شهدناه عندما تحولت البلاد إلى ملكية دستورية فى عام 2002 ــ نتيجة عدم رغبتها فى إعطاء الشيعة تمثيلا تناسبيا فى البرلمان، وعزم عائلة خليفة على الاحتفاظ بالسلطة السياسية (على سبيل المثال يشغل أعضاء العائلة المالكة حوالى نصف مناصب مجلس الوزراء).
إن الارتباك الأخير داخل العائلة المالكة واضح للعيان منذ 9 يناير، عندما قامت الحكومة بتعليق ما يسمى بـ «الحوار الوطنى» عقب إعلان جماعة سياسية سنية انسحابها من العملية، المعرقلة من قبل المقاطعة الشيعية منذ سبتمبر. لكن فى 15 يناير، قام ولى العهد الأمير سلمان، بلقاء مجموعات المعارضة «من أجل استكشاف وسائل التغلب على التحديات التى يواجهها الحوار». وفى غضون ذلك، واصلت المعارضة تنظيم مظاهرات، بما فى ذلك «مسيرة سلمية» فى 17 يناير، ولا تزال ترد تقارير حول وقوع مناوشات ليلية بين قوات الأمن والشباب الشيعى الذين يردون عليهم بإلقاء القنابل النارية والحجارة. ورغم عدم تعرض أى مواطن أمريكى للهجوم فإن الموقع الإلكترونى للسفارة الأمريكية فى المنامة يظهر مساحة عريضة عبر شمال الجزيرة الآهل بالسكان التى ينبغى أن يتجنبها الأمريكيون فى جميع الأوقات.
•••
وفى نفس السياق ذكر الكاتب أن التحديات التى تواجهها الجزيرة زادت بطريقة ملحوظة على خلفية الانقسامات داخل العائلة المالكة والاضطرابات المستمرة:
فى أواخر ديسمبر، أعلنت السلطات البحرينية عن مصادرة قارب قادم من العراق يحمل أسلحة ومتفجرات مصنوعة لأغراض عسكرية، بافتراض أن إيران هى السبب الرئيسى وراء الشحنة التى كانت ستحوّل بشكل جذرى طبيعة المواجهات بين المسلحين والشرطة البحرينية.
كما قامت كوريا الجنوبية بتعليق صادرات الغاز المسيل للدموع إلى البحرين، مستشهدة «بالسياسات غير المستقرة» وحالات الوفيات جراء التعرض للغاز و»الشكاوى من جماعات حقوق الإنسان». حيث ذكر الموقع الإلكترونى للسفارة الأمريكية أن الحكومة «تستخدم الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت بشكل روتينى» ضد المتظاهرين.
•••
أضاف هندرسون إنه يصعب اليوم التنبؤ بالطريقة التى ستنكشف بها فصول هذا التنافس. ويرجح أن الملك سوف يبرر سمعته فى التردد بأنه يعمل بمشورة الشخص الأخير الذى يتحدث إليه فى شأن أية قضية محددة. ورغم أن ولى العهد سعى إلى كبح جماح الفساد وإشراك المعارضة، فإنه لا يزال يفتقر على ما يبدو إلى أنصار فى العائلة المالكة. ومن جانبه، فإن رئيس الوزراء قد أصبح الآن الأب الروحى للمتشددين أكثر من كونه زعيما سياسيا تكتيكيا، لكنه يشتهر بقدراته السياسية ــ و«مهاراته الشعبية» تتجاوز بكثير تلك التى يتمتع بها الملك. ورغم ذلك، فإن المتشدد الأكثر أهمية فى اللحظة الراهنة هو على الأرجح المشير الركن خليفة بن أحمد آل خليفة، القائد الأعلى للقوات المسلحة (الذى هو فى الخمسينيات من عمره، لكن عمره الدقيق غير معروف). ولعب متشددون آخرون فى العائلة المالكة دورا مركزيا كذلك، ومن بينهم وزراء العدل والديوان الملكى والداخلية.
كما أكد هندرسون أن المملكة العربية السعودية ــ التى يربطها جسر من الإسمنت المسلح بالجزيرة ــ هى الحليف الأكثر أهمية للعائلة المالكة، خارج البحرين، وتأثيرها يتجاوز بكثير ذلك الذى تتمتع به واشنطن. وقبلها بعام، بدا أن الرياض كانت محبطة بسبب الأزمة المستمرة فى البحرين وكانت تحث على إجراء حوار مع المعارضة، لكن يبدو أن ذلك الزخم قد اختفى. وفى نوفمبر، أخبر الرئيس السابق للمخابرات السعودية الأمير تركى الفيصل جمهورا فى واشنطن أن «إيران تتدخل» فى البحرين «منذ ثورة 1979 مباشرة.. ولم تتوقف حملتها الدعائية منذ ذلك الحين» وأضاف أن المملكة العربية السعودية لن تقبل مطلقا بأن تستولى إيران على السلطة فى البحرين.
•••
وبذلك فإن أنصار العائلة المالكة من السنة منزعجون بشأن ما يرونه كتنازلات إلى المعارضة الشيعية. والأمر الذى يلقى بظلاله على العملية برمتها هو الاحتفالات الوشيكة بذكرى اضطرابات 2011. فالتقارير تفيد بأن الجماعة السرية «14 فبراير» التى ترفض تقديم تنازلات سياسية، تخطط لتنظيم مظاهرات فى الشوارع فى أوقات تتزامن تقريبا مع ذلك التاريخ.
واختتم الكاتب التقرير بأن المحادثات الجديدة، إلى جانب المحتوى الصريح الذى تضمنه كتاب جيتس، توفر فرصة لممارسة ضغوط دبلوماسية أمريكية لتشجيع الإصلاحات السياسية. لكن التوقيت سيىء فى ضوء الاحتفالات الوشيكة بذكرى الاحتجاجات وما سيترتب عنها من زيادة فى التوترات، وإن المسار الذى تنتهجه واشنطن من الممكن أن يعتمد على ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستبعث بمؤشرات على دعمها للحوار أم ستقف إلى جانب المتشددين.