الخلافة الأموية: صعود وهبوط - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخلافة الأموية: صعود وهبوط

نشر فى : السبت 6 أبريل 2019 - 11:35 م | آخر تحديث : السبت 6 أبريل 2019 - 11:35 م

بعد تولى يزيد بن معاوية حكم الدولة الإسلامية تحت قيادة الأمويين، عادت المتاعب والنزاعات والصراعات مرة ثانية إلى الخلافة الإسلامية، ففى حين واصل المسلمون التوسع على حساب البيزنطيين حتى وصلوا إلى أوروبا نفسها، فإن صراعاتهم الداخلية قد أثرت كثيرا على استقرار الحكم وأزهقت الكثير من الأرواح وأراقت الدماء فى صراعات دنيوية على السلطة جاءت معظمها من العراق ومن مناصرين على وغيرهم. على مدار ما يقرب من ١١٠ أعوام مر أحد عشر خليفة على الدولة الأموية تباينوا بين النجاحات والإخفاقات وكذلك فى مدد الحكم، منهم من لم يحكم سوى عامين ومنهم من استمر ما يقرب من عقدين من الزمان، لكن الأكيد أنه وباستمرار لم يكن هناك سوى فترات محدودة من الاستقرار وطويلة من الصراعات.
أحد هذه الصراعات كانت بين قبيلتى بنى كلب والقيسية وهو الصراع الذى استمر لعقود وبسببه حاول كل خليفة استمالة إحدى القبيلتين مما نتج عنه المزيد من التشرذم والانقسام. ورغم ذلك فقد كانت الدولة الأموية ناجحة فى العديد من الأمور، أهمها بناء جيش قوى ومتطور كان دائما قادرا على تحقيق أهدافه الاستراتيجية، فقد توسعت الدولة الإسلامية فى العهد الأموى لتصل لأوروبا ولغرب وأطراف وسط آسيا.
كذلك فقد شهد العصر الأموى مزيدا من التسامح الدينى رغم بعض الشطط هنا أو هناك، فقد تمكن الأمويون فى معظم الأحيان من تأمين استقلال المجتمعات غير الإسلامية اقتصاديا، كما عملوا على توظيف غير المسلمين فى الجهاز الإدارى للدولة، والأهم أنه وفى معظم الأحوال لم يتم إجبار غير المسلمين على التحول للإسلام، بل وتم السماح لهم بممارسة عبادتهم بكل حرية بل والاحتفاظ بحقهم فى التقاضى الخاص وفقا لشرائعهم، ورغم ذلك فقد أقبل الكثير من غير المسلمين على الإسلام وتحولوا إليه، مما دعا بعض المؤرخين للتساؤل عن السبب أو الأسباب التى دعتهم إلى هذا التحول. وفى ذلك يرى بعض المؤرخين أن هناك العديد من الأسباب فى مقدمتها محاولة غير المسلمين التقرب من السادة الجدد لمجتمعاتهم أو محاولة تفادى دفع ضريبة إضافية لكونهم غير مسلمين، لكن كان هناك سبب آخر أقوى، فالإسلام كان ينظر إليه باعتباره دينا متسامحا وبسيطا، وكذلك فقد كان يتم النظر إلى المسلمين بإعجاب كون أن دينهم كان السبب فى هذه الانتصارات المبهرة وبالتالى فهو بالضرورة دين مقدس.. إلخ
***
كذلك فقد شهد العهد الأموى نهضة معمارية وعلمية كانت بمثابة إرهاصات لحضارة ونهضة إسلامية استمرت لقرون بعد ذلك. فقد حاولت العمارة الأموية محاكاة نظيرتها البيزنطية ولكنها أضافت إليها لمساتها الخاصة وأصبح للدولة الأموية طابعها المعمارى الخاص يمكن مشاهدته فى سورية وفلسطين التاريخية.
ورغم أن النهضة العلمية هى أبرز إنجازات الخلافة العباسية، إلا أنها بدأت أيضا فى العهد الأموى، فقد تم تدريس العلوم بعد تعريبها للطلاب، كما تم التوسع فى إنشاء المدارس والمستشفيات والمصحات النفسية. كذلك فقد تم الاعتناء باللغة العربية واعتمادها كلغة رسمية للدولة الأموية مترامية الأطراف. كذلك فقد أصبحت مدارس الطب فى العهد الأموى متقدمة بفضل الاستفادة من البيزنطيين، وأعطى الأمويون اهتماما خاصا لذوى الاحتياجات الخاصة وأصحاب الأمراض النفسية والعصبية، وفضلا عن ذلك فقد بدأ الأمويون فى تدوين وحفظ التراث الإسلامى وخصوصا ما يتعلق بالرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ والصحابة.. إلخ
ولا عجب أيضا أن الاقتصاد فى عهد الدولة الأموية قد ازدهر كثيرا حيث إن الفتوحات الإسلامية وفرت موارد هائلة مكنت الدولة الأموية من تنويع مصادر دخلها بالاعتماد على الزراعة والصناعة والسيطرة على معظم الطرق التجارية مما ساهم فى ازدهار حركة التجارة بين جميع ربوع الدولة الأموية. وبناء على ذلك فقد كان مستوى المعيشة فى عهد الدولة الأموية مرتفعا كما قامت الدولة بالعمل على إنشاء برامج لدعم الفقراء ودعم الطبقات الأقل حظوة فى المجتمع ورغم ذلك فقد كانت هناك شكاوى دائمة من أن غير المسلمين أو المسلمين المتحولون حديثا للإسلام (من غير العرب تحديدا) قد عانوا من بعض التمييز فى الحصول على هذه الامتيازات وظل الاتجاه القومى العروبى (قبل الإسلامى) هو أساس الدولة الأموية حتى نهايتها.
***
كان معظم الخلفاء الأمويين حريصين على المظاهر الدينية مثل حضور صلاة الجمعة أو الإشارات الدائمة إلى القرآن والسنة فى الخطب الرسمية والقرارات العامة، لكن كان معظمهم أقرب للعلمانية حيث إنهم كانوا يتخذون القرارات بحسب ما يتطلبه الموقف أو طبيعة الإقليم المطلوب اتخاذ القرار بشأنه، كذلك فكون أن الدولة الإسلامية فى العهد الأموى هى دولة متنوعة الأعراق والأجناس، فقد كانت سياسات التعددية وما تطلبه من تفهم طبيعة الثقافات والأديان المختلفة وما يقتضيه ذلك من تشريعات وقرارات ذات طبيعة خاصة من أهم أسباب مدنية أو علمانية هذه القرارات، فقد كان الأمراء فى أنحاء الدولة لديهم بعض من التفويض فى السلطات الذى سهل عليهم اتخاذ القرارات فى الأقاليم التى يحكمونها دون التقيد بالإذن من دمشق أو الحصول على دعم شرعى، وهو سبب آخر من أسباب بعض المظاهر العلمانية للدولة الأموية.
يلاحظ بعض المؤرخين أيضا أن النهضة العلمية التى شهدتها الدولة الأموية قد مكنتها من تقدير دور العلوم التطبيقية ومناهج البحث جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالعلوم الشرعية مما عزز هذا الاتجاه العلمانى فى الدولة. كذلك فقط لاحظ المؤرخون أن تطبيق الحدود بشكلها التقليدى لم يكن معروفا أو مشهورا عن أمراء الأقاليم مترامية الأطراف التى خضعت للحكم الأموى، وكان فى معظم الأحيان وللحفاظ على وحدة الدولة يتم التغاضى عن تغليظ العقوبات والأهم أن تهمة التكفير كانت ممنوعة فى ممارسات وعقوبات الدولة الأموية وكان فى معظم الأحيان يتم قبول توبة المسلم بمجرد الاعتراف بالذنب أو قضاء مدة العقوبة.
لكن هذا الاستقرار والازدهار كان يقابله ثورات وحروب متتالية وخاصة مع أمراء الكوفة والبصرة الذين تمكنوا مع الوقت من تعزيز استقلالهم والحصول على ما يشبه الحكم الذاتى وهو ما مكنهم لاحقا من محاربة الدولة الأموية فى معارك تم فيها إسالة المزيد من دماء المسلمين بل والتعدى على المقدسات مجددا كما حدث بعد أحداث الحرب الأهلية الأولى فى تاريخ المسلمين (الفتنة الكبرى)، كذلك فقد لاحظ المؤرخون أن معظم هذه الحروب كانت تخاض باعتبارها حروبا ذات هوية شيعية وليس مجرد صراع على السلطة وهو ما عزز المزيد من الانقسام والتشرذم بين المسلمين.
فى نهاية العهد الأموى، ضعف الخلفاء نتيجة لصراعاتهم على السلطة، كذلك فقد حدث تدهور واضح فى الجهاز الإدارى للدولة الأموية نتيجة لبعض التقصير فى التوجيه والمتابعة، وهو ما أدى إلى تدهور تدريجى فى الدولة الأموية انتهى بانهيارها وبدء عهد جديد أسسه العباسيون واستمر لقرون وهو ما نتناوله فى مقالة قادمة.
ملحوظة: اعتمد هذا المقال على الفصل الثالث من كتاب تاريخ كامبريدج للإسلام الذى تم الإشارة إليه مسبقا، وكذلك على كتاب «السلالة الحاكمة الأولى فى الإسلام» للكاتب جى آر هوتنج فى طبعته الثانية الصادرة عن دار نشر روتليدج عام ٢٠٠٠.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر