نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا لفانس سيرتشوك الباحث بمركز الأمن الأمريكى الجديد، حول الوضع السياسى فى تونس بعد انتخاب السبسى رئيسا، وأهمية وضع الإدارة الأمريكية تونس ضمن أولوياتها بالمنطقة العربية. حيث رأى الكاتب أن تونس عليها أن تحظى بالترحيب باعتبارها قصة النجاح الوحيدة فى الربيع العربى. فهى تعد البلد الوحيد الذى سلك الطريق من انتفاضات 2011 إلى الديمقراطية التعددية الحقيقية الآن. ومع ذلك يرى أن مستقبل الديمقراطية فى تونس أبعد من أن يكون مضمونا.
فتجربة تونس، مع انتخاب برلمان جديد ورئيس جديد، أهم تجربة فى الديمقراطية العربية تدخل مرحلة جديدة صعبة وربما تكون خطيرة وهى المرحلة التى فيها حاجة ملحة إلى الدعم والاهتمام الأمريكيين.
ويوضح سيرتشوك مسارعة التونسيين فى ذكر مجموعة التحديات التى قد لا تزال تعوق تحولهم، منها الاقتصاد الذى لم يجر إصلاحه ويولد القليل جدا من فرص العمل، والتهديد المستمر من الجماعات الإرهابية كأنصار الشريعة، إضافة إلى الدولة الفاشلة المجاورة فى ليبيا، وهى بركان على شاكلة سوريا يحتمل أن يهدد بإطلاق سحابة من عدم الاستقرار على جاراتها. ومع ذلك فإن أهم سؤال يواجه تونس يتعلق بقيادتها المنتخبة الجديدة والتزامها بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحوكمة المتسامحة الاشراكية.
<<<
كانت تلك هى سمات الاستثنائية التونسية التى رآها الكاتب منذ عام 2011، ويعود الفضل فيه بشكل كبير إلى الأحزاب والشخصيات التى كانت تقود التحول، وبشكل خاص إلى حزب النهضة، ذلك الحزب الإسلاموى المعتدل الذى حصل على أكبر عدد من الأصوات فى أول انتخابات حرة جرت فى البلاد قبل ثلاث سنوات.
فى ذلك الوقت كانت هناك شكوك فيما إذا كان بإمكان الإسلامويين العمل بالفعل طبقا للقواعد الديمقراطية. لكن فيما يتناقض بشكل واضح مع الإخوان المسلمين فى مصر، نجحت النهضة فى الاختبار بـ«امتياز». فبدلا من التوسع فى السلطة، أشرك حزب النهضة آخرين فيها ـ حيث شكل تحالفا مع حزبين كبيرين غير إسلامويين. وبدلا من معاملة المعارضين العلمانيين بقسوة عند كتابة الدستور الجديد، أجرى الحزب تسوية وقدم تنازلات مع احترامه للمجتمع المدنى والإعلام الحر والقضاء المستقل. الأمر الأكثر أهمية هو أن النهضة فعل شيئا لم يفعله أى حزب إسلاموى حاكم، وهو تركه للسلطة فى هدوء.
ويرى سيرتشوك أن وراء سلوك النهضة هذا اقتناع رئيسه راشد الغنوشى بأن الديمقراطية لا تعنى أن حزبا واحدا، بغض النظر عن مدى ما لديه من الشعبية، له الحق فى الهيمنة على المجتمع وأنه من الضرورى إيجاد أرضية مشتركة مع خصومه السياسيين. فبديل ذلك هو إما الحرب الأهلية أو السلطوية. وهما ما انتهى إليه للأسف بقية المنطقة. لكن النهضة يجد نفسه الآن خارج السلطة، بينما فاز حزب معاد للإسلامويين، هو نداء تونس، بالرئاسة وهبط بالنهضة إلى المركز الثانى فى البرلمان. فهل سيمارس علمانيو تونس ضبط النفس والتسامح والإشراك التى أبداها الإسلامويون؟
<<<
يجيب الكاتب على سؤاله بأنه أمر ليس واضحا بعد. فالاهتمام بشأن الرئيس التونسى الجديد الباجى قايد السبسى، الذى قاد البلاد بجدارة فى الشهور التى اتسمت بالفوضى فى أعقاب ثورتها بعث برسالة الوحدة الوطنية المشجعة عند تنصيبه، أقل من الاهتمام بشأن الآخرين المحيطين بحزب النهضة الذين قد تكون غرائزهم الديمقراطية أقل تطورا، بالإضافة إلى ذلك، يعرض الكاتب آراء تونسيين كثيرين على امتداد الطيف السياسى، منهم معارضو النهضة، بأنهم قلقون من أن بلدان الخليج التى كانت تدعم الحملات المناضة للإسلامويين فى المنطقة ربما تحاول مد هذه الجهود إلى تونس. حيث تعرض المساعدة مقابل تراجع ديمقراطى من المحتمل أن يشمل المحاكمات المسيسة لأعضاء النهضة. ويرد المتفائلون بأن التوانسة الذين أطاحوا مؤخرا بديكتاتور لن يقبلوا الردة السلطوية. ومع ذلك فتاريخ الثورات يؤكد هذا الاحتمال؛ ولنأخذ فى اعتبارنا مسار روسيا ما بعد السوفييتية أو جورجيا مؤخرا.
فى النهاية من سيحدد مصير تونس هم التوانسة أنفسهم. لكن القوى الديمقراطية لديها مصلحة حيوية فى تعزيز موطئ قدم لحوكمة تعددية محترمة فى الشرق الأوسط العربى وشمال إفريقيا على أقل تقدير. وإذا كان هناك ميراث أمل وتغيير فى العالم العربى يُبيِن الكاتب أن لإدارة أوباما إمكانية للمساعدة فى ضمانه، فسوف تتواجد، متوقعا أن تكون الشهور المقبلة على قدر كبير من الأهمية.
<<<
وفى هذا الصدد، يصر سيرتشوك على أنه لابد لكبار المسئولين فى الإدارة وأعضاء الكونجرس من إعطاء أولوية لتونس، على الرغم من الأزمات المتضاربة، وإن كان الاكتفاء فى البداية بمجرد الحضور، وزيارة تونس ليوضحوا للحكومة الجديدة أن الانفتاح الأمريكى من أجل الشراكة الموسعة بشكل كبير فى ضوء إنجازات التوانسة الفريدة، شريطة بقاء البلاد على الطريق الديمقراطى. ومن المهم بالقدر نفسه إشراك النهضة والمجتمع المدنى لطمأنتهم بأن الولايات المتحدة تعترف بإسهامهم التاريخى فى تقدم تونس وسوف تراقب عن كثب كيف يُعامَلون، باعتبار ذلك اختبارا للحكومة الجديدة. ولابد أن تضغط الولايات المتحدة على حلفائها الأوروبيين كى يبعثوا برسالة مماثلة.
وأخيرا، لابد للولايات المتحدة من تقديم حزمة متعددة السنوات من الدعم الاقتصادى والأمنى والتجارى والحوكمى لتونس، بما فى ذلك الاستثمارات منخفضة التكلفة لكنها مرتفعة العائد فى أشغال المؤسسات الديمقراطية الجديدة كالبرلمان. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة عثرت على طرق خلاقة لمساعدة تونس منذ عام 2011، ولكنه من وجهة نظر فانس كان الجهد صغير الحجم وعشوائيا. ففى طلب ميزانية إدارة أوباما هذا العام، كان ترتيب تونس التاسع بين متلقى المساعدات الثنائية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ـ وهو المركز نفسه الذى كانت تحتله قبل ثورتها. وهو ما يراه سياسة خاطئة بشكل كبير فى حالة استمر الأمر على ذلك.
ويختتم سيرتشوك مقاله بأنه على مدى الثلاث سنوات الماضية، أثبت إسلاميو النهضة أنهم مديرون مسئولون لمجتمع حر. والآن يحين دور علمانيى تونس الصاعدين كى يحذوا حذوهم ومسئولية الولايات المتحدة، وحلفائنا الديمقراطيين، هى مساعدة تونس كلها على النجاح.