دوافع التحول الجيواستراتيجى اليابانى نحو إفريقيا - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دوافع التحول الجيواستراتيجى اليابانى نحو إفريقيا

نشر فى : الخميس 8 سبتمبر 2022 - 6:50 م | آخر تحديث : الخميس 8 سبتمبر 2022 - 6:50 م

نشر مركز المستقبل مقالا للكاتب حمدى عبدالرحمن بتاريخ 7 سبتمبر تناول فيه أهداف ومصالح اليابان من الاستثمار فى إفريقيا ومعوقات نجاح مناخ الاستثمار فى القارة السمراء.. نعرض من المقال ما يلى.
أعلنت اليابان فى ختام الدورة الثامنة لمؤتمر طوكيو الدولى حول التنمية الإفريقية (تيكاد 8) الذى عقد فى تونس فى 27 – 28 أغسطس، عن خطة استثمار كبيرة مدتها ثلاث سنوات بقيمة 30 مليار دولار لإفريقيا. ومن المرجح أن اليابان تسعى إلى إعطاء دفعة جديدة لسياستها الإفريقية الجديدة، التى تتمنى أن تكون أكثر واقعية، مع التركيز بشكل خاص على الاستثمارات. وربما يُعطى ذلك انطباعا عاما بأن طوكيو تريد أن تقوم بدور اقتصادى أكثر أهمية فى إفريقيا.

ما هو التيكاد؟
فى أعقاب الحرب الباردة، لم يكن لدى الدول الغربية المتقدمة اهتمام كبير بإفريقيا، حيث فضل الغرب إقامة علاقات مع دول أوروبا الشرقية بعد تفكك الاتحاد السوفييتى. علاوة على ذلك، أدى الافتقار إلى نتائج ملموسة من المعونة، إلى جانب الركود الاقتصادى للبلدان المتقدمة، إلى إرهاق البلدان المانحة وعدم الرغبة فى دعم إفريقيا. فى ذلك الوقت، كانت الحكومة اليابانية تبحث عن طرق جديدة لزيادة مساهمتها فى الشئون العالمية. بحلول عام 1989، أصبحت اليابان، التى كانت آنذاك فى ذروة ازدهارها الاقتصادى، أكبر مساهم فى المساعدات الإنمائية الرسمية على الصعيد العالمى. وفى هذا السياق، ظهرت فكرة مؤتمر طوكيو الدولى حول التنمية الإفريقية (تيكاد).
وعقد تيكاد لأول مرة فى عام 1993، ويتم تنظيمه اليوم بالاشتراك بين اليابان ومفوضية الاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى والبنك الدولى. ويصادف المؤتمر، فى نسخته الثامنة التى عقدت فى تونس، الذكرى التاسعة والعشرين لتيكاد.
إن هيكل التيكاد فريد من نوعه. فهى منصة مفتوحة ومتعددة الأطراف، حيث لا تقتصر على إفريقيا واليابان فحسب، بل يمكن للمجتمع الدولى أيضا مناقشة سبل تعزيز ودعم تنمية إفريقيا. ولعل ذلك هو ما يميز التيكاد مقارنة بمنتديات التنمية الإفريقية الأخرى، مثل تلك التى بدأتها الصين أو الاتحاد الأوروبى فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين والتى لا تزال منتديات ثنائية ومغلقة حتى يومنا هذا.

ماذا تريد اليابان؟
يمكن تلخيص أهداف ومصالح اليابان من هجومها الناعم على إفريقيا فى العناصر الأربعة التالية:
1ــ الأصوات الإفريقية فى الأمم المتحدة: فى التسعينيات، كانت اليابان تسعى إلى زيادة مكانتها الدولية وكانت تهدف إلى الحصول على مقعد دائم فى عضوية مجلس الأمن الدولى. وللقيام بذلك، كانت بحاجة إلى دعم الدول الإفريقية التى كانت طوكيو تأمل فى الحصول عليها مقابل المساعدة المالية التى تم التفاوض عليها خلال هذه القمم.
2ــ اللحاق بالفاعلين الآسيويين والغربيين الآخرين فى السوق الإفريقية: عندما بدأت البلدان الإفريقية تشهد نموا قويا فى أواخر العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، مدفوعا بالاستثمارات الصينية والهندية والغربية، عندئذ أدركت اليابان أنها تفتقد إلى المحرك الذى يعيدها مرة أخرى إلى مقدمة السباق الإفريقى. منذ ذلك الوقت تحاول اليابان أن تلقى بظلالها على الصين تحديدا فى إفريقيا.
3ــ دمج إفريقيا فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ الحرة والمفتوحة: ويعتمد ذلك على رؤية رئيس الوزراء الراحل شينزو آبى الذى تعمد ترسيخ إفريقيا فى استراتيجية اليابان الواسعة للمنطقة. ويعتمد هذا المفهوم على ثلاث ركائز أساسية هى: نشر وإرساء سيادة القانون وحرية الملاحة والتجارة الحرة، والسعى إلى تحقيق الازدهار الاقتصادى، وضمان السلام والاستقرار.
4ــ التحول إلى سياسة الاستثمار الخاص: سعت طوكيو فى ظل حكومة شينزو آبى إلى الانتقال من سياسة تركز على المساعدة الإنمائية الرسمية، التى تتقلص ميزانيتها باستمرار، إلى نهج قائم على الاستثمار الخاص. لذلك، كانت تعبئة مجتمع الأعمال اليابانى عاملا أساسيا لتوسيع الوجود الاقتصادى اليابانى فى هذه السوق الواعدة، ولكن أيضا للاستمرار فى تأمين موارد الطاقة والموارد المعدنية الاستراتيجية.

نتائج إعلان تونس:
يتناول إعلان تونس لقمة تيكاد الثامنة مجالات التعاون الثلاثة الرئيسية لليابان مع إفريقيا: تسريع النمو مع الاستثمارات فى الاقتصاد الأخضر والمشاريع الناشئة؛ «اقتصاد مرن» مع دعم إنتاج الأدوية واللقاحات، بالإضافة إلى تعزيز الأمن الغذائي؛ و«السلام والأمن» من خلال دعم الوساطة ومنع النزاعات. ويمكن أن نبرز أهم النتائج على النحو التالى:

1ــ دعم الاستثمار فى إفريقيا:
تعهد رئيس الوزراء اليابانى، فوميو كيشيدا ــ عبر الفيديو كونفرانس ــ فى 27 أغسطس أثناء قمة التيكاد المنعقد فى تونس، بأن بلاده ستستثمر 30 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات فى إفريقيا، وهو رقم ليس ببعيد عن الأربعين مليار دولار من القروض التى وعدت بها الصين، المنافس الإقليمى الكبير لليابان فى إفريقيا. هذه الوعود الاستثمارية تحدد المربعات الرئيسية لحالات الطوارئ التى تواجه إفريقيا. يتم توجيه أكثر من مليار دولار لمساعدة القارة على التعامل مع الأوبئة الصحية مثل كوفيد ــ 19 ولدعم مشاريع مكافحة الاحتباس الحرارى. وأخيرا، تريد طوكيو أيضا مساعدة إفريقيا فى التغلب على نقص الغذاء الناجم عن الحرب فى أوكرانيا. وسوف يستخدم المبلغ المتبقى لجذب الشركات اليابانية للاستثمار فى إفريقيا. ومع ذلك واقعيا، يبدو أن هناك فجوة بين الوعود اليابانية والواقع؛ إذ يعتقد بعض المحاورين الأفارقة أن اليابانيين يتحدثون كثيرا لكنهم لا يفعلون سوى القليل.

2ــ إصلاح مجلس الأمن الدولى:
اعتبر رئيس الوزراء اليابانى فوميو كيشيدا أنه من الضرورى «معالجة الظلم التاريخى» لإفريقيا للحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن الدولى، وقال إن اليابان ستدفع فى هذا الاتجاه عندما تكون عضوا غير دائم فى عام 2023 ــ 2024. وتعتزم اليابان «خلق بيئة يمكن أن يعيش فيها الأفارقة فى سلام وأمن من أجل أن يكونوا قادرين على التطور». وقد أكد هذا الموضوع بإسهاب مطول الرئيس السنغالى والرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى ماكى سال، الذى قال إن «العقليات تتغير وإن ما يزعزع استقرار إفريقيا ويمنعها من التطور يجب أن يأخذه مجلس الأمن بعين الاعتبار».

3ــ المشاركة فى جهود السلام والأمن الإفريقى:
تخطط اليابان لتوجيه نسبة من الأموال الخاصة والعامة لإفريقيا على مدى ثلاث سنوات، لمكون السلام والأمن لتدريب ضباط الشرطة، والمساعدة فى تنظيم الانتخابات وأمن الحدود. كما سيتم تخصيص مساعدات ملموسة بقيمة 8.3 مليون دولار على وجه الخصوص لمنطقة الساحل فى المثلث الحودى ليبتاكو غورما، بين مالى وبوركينا فاسو والنيجر، والتى دمرتها الهجمات الإرهابية العنيفة. كما قررت اليابان تعيين مبعوث لها للقرن الإفريقى.

تحديات وعوائق:
هناك عدة عوامل تفسر سبب عدم تلبية واقع الاستثمارات للتوقعات اليابانية. العامل الأول هو تصور الشركات اليابانية لأفريقيا. إنها تمثل بالنسبة لهذه الشركات قارة بعيدة جغرافيا وثقافيا، وينظر إليها حيث مقر الشركات فى طوكيو على أنها محفوفة بالمخاطر. العامل الثانى أن إفريقيا ليست هدفا ذا أولوية عالية لمجتمع الأعمال اليابانى الذى يعمل بشكل أساسى فى آسيا والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والشرق الأوسط. العامل الثالث أن إفريقيا موضوع تنافس القوى الدولية، لاسيما الدول الغربية والصين وروسيا. أخيرا، لا يزال مناخ الاستثمار فى إفريقيا يمثل تحديا للشركات اليابانية، لاسيما مشاكل تطبيق الإطار القانونى والتنظيمى، وعدم الاستقرار السياسى والاجتماعى، والقضايا المالية وأسعار الصرف، ووجود قوة عاملة محلية ضعيفة التدريب وبنية تحتية ضعيفة. وبالتالى، فإن نفور الشركات اليابانية من المخاطرة لا يشجعها على الاستثمار فى القارة.
وفى الختام، فإن التوسع الاقتصادى للصين فى إفريقيا يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لليابان. وفى الواقع، يمكن وصف التنافس بين اليابان والصين فى إفريقيا بأنه «غير متكافئ»، وفى أحسن الأحوال تشعر اليابان بإحساس التنافس وليس الصين. علاوة على ذلك، فإن طوكيو لا تمتلك قدرات الصين نفسها فى إفريقيا، من حيث حجم المساعدات والاستثمار والتجارة، أو حتى من حيث عدد المغتربين. لذلك، لا توجد منافسة اقتصادية مباشرة فى إفريقيا بين الطرفين. ويبدو أن التعاون مع الشركات الصينية سيكون أكثر فائدة لليابانيين.
ويرى كثير من الأفارقة أنه إلى جانب تعهدات مؤتمرات التيكاد، يتعين على اليابان الحفاظ على المصالح السياسية والاقتصادية طويلة الأجل فى إفريقيا وتطوير خبرتها فى القضايا الإفريقية، إن هى أرادت تطوير نهجا استراتيجيا مستداما تجاه القارة الإفريقية.

النص الاصلي

التعليقات