السطور القادمة ليست كتابة متخصصة فى الشأن الرياضى الكروى، لكنها فى صميم الحياة التى نعيشها.
حتى مساء الثلاثاء كنت أنوى الكتابة عن الدروس المستفادة من مباراة كرة القدم المجنونة بين فريقى ليفربول الإنجليزى، وبرشلونة الإسبانى فى الدور قبل النهائى ببطولة أندية أبطال أوروبا، والتى انتهت بفوز الأول بأربعة أهداف، بعد أن كان متأخرا بثلاثة أهداف نظيفة فى مباراة الذهاب فى برشلونة.
لكن الدرس نفسه تكرر فى اليوم التالى الأربعاء، وتمكن توتنهام الإنجليزى أيضا، من هزيمة أياكس الهولندى فى أمستردام، بعد أن كان مهزوما على ملعبه بهدف نظيف ثم هدفين آخرين وتمكن من تسجيل 3 أهداف.
ثم تذكرت أن أياكس الهولندى تمكن من إخراج فريقين كبيرين جدا هما يوفنتوس الإيطالى، وريال مدريد الإسبانى حامل اللقب، كما أن مانشيستر يونايتد الإنجليزى أخرج باريس سان جيرمان الفرنسى، وتوتنهام أخرج مانشيستر سيتى متصدر الدورى الإنجليزى.
القاسم المشترك الأعظم بين معظم اللقاءات السابقة، هو أن الفرق المهزومة، كانت هى المرشحة للفوز، بحكم خبرتها وإمكانياتها ونتائجها، والأهم تقدمها فى مباريات الذهاب، وهنا الدرس الأول، أن العبرة بالخواتيم، مهما كانت المقدمات والبدايات طيبة ومبشرة. لا يمكن لشخص أو فريق أن يراهن على شىء إلا عقب الحصول عليه. كل الناس اعتقدت أن برشلونة ضمن التأهل، لأنه فاز بثلاثة أهداف نظيفة، لكن تحقق ما كان البعض يعتقد أنه المستحيل.
الدرس الثانى أن الشخص الفرد مهما كان بارعا، فإنه لا يغنى أبدا عن الفريق. ظن الجميع تقريبا أن وجود ليونيل ميسى مع برشلونة كفيل بأن يضمن له التأهل فى المباراة النهائية، وأنه قادر على أن يسجل فى أى لحظة. مثلما ظن نفس الناس، أن وجود كريستيانو رونالد مع يوفنتوس سيضمن له الفوز، لكن الظن خاب فى الحالتين مع كل التقدير للموهبة الفردية.
نفس الفكرة ولكن بصورة عكسية حينما ظن الكثيرون أن ليفربول لا يمكن له أن يتأهل طالما أن نجمه الأبرز محمد صلاح لن يلعب بسبب إصابته، إضافة لغياب نجمه البرازيلى أيضا فيرمينيو، لكن الذى حدث كان مفاجأة حقيقية. فاز ليفربول بأربعة أهداف فى ظل غياب صلاح وفيرمينيو. والدرس الأبرز هنا أن الفريق أولا وبعده النجم. لا يوجد نجم من دون فريق يساعده. فشل برشلونة فى وجود ميسى وفشل يوفنتوس فى وجود رونالدو، وفشل باريس سان جيرمان فى وجود كثيرين مثل نيمار وكافانى ودى ماريا. ونجحت فرق لم يظن أفضل المتفائلين أن تحقق هذه النتائج المبهرة مثل أياكس وتوتنهام وليفربول.
يحق لمدرب ليفربول أن يقول للجميع إن النجم الحقيقى هو الفريق بأكمله وليس أى نجم مهما كان لامعا حتى لو كان حبيبنا جميعا محمد صلاح.
والرسالة هنا كما كتبها الفنان نبيل الحلفاوى على صفحته على تويتر: «لا مستحيل إذا أخذت بالأسباب» وهى رسالة للحياة كلها وليس فقط لكرة القدم. لا يوجد شىء اسمه المستحيل، طالما هناك محاولات وإصرار وعزيمة وأخذ بالأسباب.
كرة القدم لم تعد مجرد لعب عيال كما كان كثيرون يظنون لسنوات طويلة، صارت صناعة مهمة جدا. والأهم أنها أصبحت أحد المحركات الأساسية لشعوب كثيرة. أعرف شخصيات عامة، صاروا يحددون جدول أعمالهم بمباريات ليفربول الإنجليزى أكثر من متابعتهم للدورى المصرى. بعضهم لم يكن لديه أى اهتمام بالكرة من الأساس. قد نكتشف لاحقا أن محمد صلاح صار أهم محفز على الولاء والانتماء لمصر فى الفترة الأخيرة. وصار أيقونة مصرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. بل إن تأثيره صار يفوق ما تفعله وزارات وهيئات ومؤسسات كاملة. والدليل أن أديبا عالميا كبيرا مثل باولو كويلو تأثر بالتيشيرت الذى كان يرتديه صلاح وهو جالس فى المدرجات ومكتوب عليه «لا تستسلم أبدا».
ما تعلمناه فى المباريات الأخيرة «المجنونة» فى بطولة أندية أوروبا أنه لا شىء مضمون فى الحياة. وأن النجاح يحتاج إلى العمل طوال الوقت وإلى التعلم والمثابرة. لا يوجد شىء اسمه شيك على بياض. سوف يرفعك الجمهور إلى أعلى عليين إذا نجحت وتألقت، لكنهم سوف يطلقون صافرات الاستهجان ضدك إذا فشلت وتعثرت.
لا يوجد شىء اسمه الحظ، ربما هناك توفيق وعدم توفيق، لكن حتى هذا التوفيق لا يحالف إلا المجتهدين والمجدين والمثابرين والمؤدين عملهم حتى اللحظة الأخيرة.
شكرا لأندية ولاعبى ومدربى فرق أوروبا، لأنهم قدموا لنا متعة صافية فى الأيام الأخيرة والأهم قدموا لنا هذه الدروس المجانية الممتعة فى الحياة.