وسط الجدل والصخب السياسى الذى لا ينتهى، تمر بنا أحداث مهمة، ربما تحتاج من الإعلام المزيد من تسليط الضوء، والاهتمام الذى يليق بها.. ومن بين هذه الأحداث الاحتفال الذى شهدته مكتبة الإسكندرية، قبل أيام، بإطلاق مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية «سيداج» التابع لوزارة الخارجية الفرنسية، البوابة الإلكترونية لأكبر عملية أرشفة رقمية وتوثيق للصحف المصرية، على مدى 40 عاما تبدأ من 1970 وحتى 2010.
حفل إطلاق البوابة الذى حضره الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، والسفير الفرنسى لدى مصر أندريه باران، وشاركت فيه ضمن عدد من الإعلاميين المصريين والفرنسيين، شهد شرحا وافيا من الدكتورة هالة بيومى، المستشار العلمى للسفارة الفرنسية ورئيس قسم العلوم الإنسانية الرقمية فى «سيداج»، للمراحل التى مر بها المشروع الذى يستهدف أرشفة 800 ألف قصاصة، تم أرشفة 215 ألفا منها بالفعل، متاحة الآن على شبكة الإنترنت بثلاث لغات هى: العربية والفرنسية والإنجليزية.
الدكتورة هالة بيومى، وهى بالمناسبة فرنسية من أصول مصرية، تخرجت فى كلية الإعلام جامعة القاهرة، أشارت إلى أن القصاصات تم تصنيفها وفقا لكتابها وناشريها وموضوعاتها المختلفة، سياسية وثقافية واقتصادية.. إلخ، وتقدم سجلّا حافلا بالأحداث التى مرت بها مصر على مدى الأربعين عاما الماضية، وبتعبير الدكتور إسماعيل سراج الدين فالمشروع له أهمية بالغة، إذ يقدم للجمهور كنزا وثروة ضخمة من المعلومات حول الحياة المصرية المعاصرة، و«يعد إسهاما فى ذاكرة تاريخ بلادنا وأحد أكبر إنجازات التعاون العلمى بين مصر وفرنسا».
المشروع اعتمد فى بدايته على 24 جريدة ومجلة مصرية قومية وحزبية ومستقلة، بينها 13 صحيفة ورقية و11 صحيفة رقمية، وارتفع الرقم مع الأيام حتى بات يغطى غالبية الصحف الصادرة خلال المدة الزمنية للمشروع، وهو بذلك يجعل الصحفيين المصريين من هواة الاحتفاظ بأرشيفهم الورقى، الذى يبلى مع الأيام ويصعب الحفاظ عليه، قادرين على الوصول لغالبية ما أنتجوه عبر سنوات عملهم المهنية، بكبسة زر على الكمبيوتر، ونقل موضوعاتهم إلى شبكات التواصل الاجتماعى بروابط مع البوابة الإلكترونية الأم لسيداج.
ربما يعتبر البعض أن الموضوع منجز ثقافى لدينا مؤسسات تقدم خدمات مماثلة له وإن اختلفت فى الشكل، لكنه فى تقديرى واحد من المشروعات العلمية المهمة التى سيلمس الباحثون مقدار أهميته عند مقارنته بأماكن ومؤسسات أخرى تحتفظ بالدوريات المصرية فى وضع يرثى له، وتقدم خدماتها المتواضعة للدارسين الذين يضطرون إلى الانتقال إليها، والمكوث بين جدرانها، لأسابيع وربما لشهور من أجل إنجاز أبحاثهم، وبما يستهلك وقتا وجهدا تختصره «سيداج» عبر بوابتها من أى مكان فى العالم عبر الإنترنت.
السفير الفرنسى من جانبه شدد على أن بوابة مجموعة الصحافة المصرية الخاصة ثمرة للتعاون الثقافى بين الجانبين المصرى والفرنسى، ويأتى متزامنا مع الاحتفال بمرور 25 عاما على تأسيس مركز الدراسات السكندرية، وهو أيضا فى تقديرى يعكس مسيرة طويلة من الولع الفرنسى بمصر وحضارتها، قديما وحديثا، وتمتينا لحبال الود، وحرصا مصريّا على التواصل مع الخبرات الثقافية الفرنسية والاستفادة منها من خلال هذه المشروعات الثقافية.
بقى أن مشروع الأرشفة الضخم يحتاج إلى حملة تعريف واسعة فى أوساط الباحثين والأكاديميين، وخاصة المهتمين بالحقل الإعلامى، لما يتيحه من خدمة ثقافية مجانية يمكن أن تكون عونا فى البحث العلمى، لما يختصره من وقت وجهد.