جلستُ أراجع مع حفيدتي أمينة قبل عدة أيام قواعد النحو في كتاب اللغة العربية للفصل الدراسي الثاني من الصف السادس الابتدائي، وتلك فرصة لم أفوّتها لعلّي أجذب أمينة لتذوّق هذه اللغة الجميلة التي أحببناها على أيدي أساتذة كبار آمنوا أن لغتنا هي هويتنا. وأول ما لفت نظري في الكتاب المدرسي أنه من تأليف اثنين من الأساتذة أحدهما يحمل لقب أستاذ دكتور، وأنه عُدّل وروجع بواسطة لجنة من ٩ أساتذة بالتمام والكمال جميعهم حاصل على درجة الدكتوراه و٥ منهم يحملون لقب أستاذ دكتور. العدد كبير جدًا وتلك ملاحظة كنّا لاحظناها منذ سنين طويلة عندما اشتغلنا في تسعينيات القرن الماضي في تحليل مضمون كتب اللغة العربية لمرحلة التعليم الأساسي في إطار كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولازالت الملاحظة سارية حتى الآن. ومع هذا العدد الكبير الذي تولّى عملية المراجعة فإن مقدمة الكتاب التي تتحدَث عن نواتج التعليم تضمّنت ثلاثة أخطاء مطبعية، كما في القول "في نهاية الوحدة يتوقع أن يكون التلميذ قادًا على أن…" هكذا بدون حرف الراء، وهذا الخطأ تكرّر مرتين في نفس الصفحة، والقول أيضًا "ينتج فكرًا وثيقة الصلة بموضوع الحديث" حيث جرى تأنيث المذكّر، قلتُ لنفسي تلك إذن بداية غير مبشّرة بالخير. وبالفعل فإنه مع الانتقال من المقدمة إلى المتن توالت الأخطاء لا المطبعية فحسب لكن، وهذا هو الأخطر، الأخطاء النحوية في كتاب يعلّم التلاميذ قواعد النحو وأصول التشكيل!!. فلو بدأنا بالأخطاء المطبعية نجد منها: "بالحروف السبابقة" صفحة ٦ حيث توجد باء زائدة، و"كما أن ثيابه الجديد" صفحة ١٣ حيث تم هنا تذكير المؤنث. أما الأخطاء النحوية فخذ عندك الأمثلة الآتية: "أما الفعل (يشتركوا) فقد سبقته (لام التعليل) التي تنصب الفعلُ المضارع "صفحة ٢٨ أي واللهِ مكتوب هكذا: الفعلُ بالضمّة في درس يشرح للتلاميذ أن لام التعليل تنصب الفعل الذي يأتي بعدها، وكذلك ورد "تعبير جميل يصوّر السواقي في ضخّها للمياه" صفحة ٣٣ وليس ضخها المياه وهذا هو التعبير الدقيق، و"حتى جاءت حرب رمضان التي أظهرت أهميةُ" نعم أهميةُ بالضمّة للمفعول به في صفحة ٣٥، وفي نفس الصفحة "وآثارٌ فرعونيةٌ وقبطيةٌ وإسلاميةٌ وأراضٌ" وتلك أول مرة في حياتي أقرأ كلمة أراض بمثل هذا التشكيل العجيب!. كل هذه الأخطاء وردَت فيما لا يتجاوز عدد ٥٤ صفحة إذ لم أتطرّق لباقي الصفحات التي تخّص الأنشطة والتدريبات على وحدات الكتاب.
• • •
ومن حيث المضمون لاحظتُ ثلاث ملاحظات أساسية، الأولى أنه مع كثرة القيم النبيلة التي حرص الكتاب على غرسها في التلاميذ كقيمة التواضع التي تكرّر التأكيد عليها مرة في قصيدة إيليا أبو ماضي صفحة ١٢ ومرة أخرى في الآيات من ١٧ إلى ١٩ من سورة لقمان صفحة٣٩، وقيم الإيثار، وعدم التمييز بين البشر، والتعاون، والصداقة، والحفاظ على البيئة، أقول مع كل هذه القيم المنتشرة في الكتاب فإن قيمة الحرية وحدها هي التي جاءت مقيدّة بالمسؤولية. ومع أنه لا خلاف على مبدأ عدم وجود حرية مطلقة إلا أنه يلفت الانتباه أنه في الدرس الأول الذي تناوَل هذه القيمة تمت الإشارة للحرية على النحو التالي "ليس هناك شئ في حياة الإنسان أعظم مَن الحرية، لأنها أكثر ما يميّز حياة البشر، ولكننا نحاول من خلال هذا النص أن نعرف حدود حرية الإنسان، وهل الحرية بلا قيود نافعة أم ضارة بالمجتمع؟ وهل الإنسان حر في نفسه أم أن هناك ما ينظّم هذه الحرية؟ وإذا كان للمجتمع الحق في التحكّم في حرية الفرد وسلوكه فما حدود هذا التحكّم؟" صفحة ٢. إذن فإن الكتاب لا يهتم بشرح معنى الحرية وفوائدها بل يهتم بتحديد ضوابط هذه الحرية من البداية.. يا أسيادنا علّموا الأولاد أن يكونوا أحرارًا في اختياراتهم وقراراتهم وآرائهم وألا يخافوا من التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم ثم علمّوهم بعد ذلك أن حريتهم هذه ترتبط بعدم الإضرار بالآخرين، لكن المعالجة لقيمة الحرية على هذا النحو لا تتسّم بالموضوعية وتجعل الصغار يخافون ممارسة الحرية لئلا يؤذون غيرهم. نأتي بعد ذلك للحديث النبوي الشريف الذي استعان به الكتاب لتوضيح فكرته عن أن الحرية ليست مطلقة، وهو حديث السفينة الذي جاء فيه أن ركاب الطابق الأسفل من السفينة إن أرادوا أن يثقبوها ليحصلوا بسهولة على المياه بدلًا من أن يتحمّلوا مشقة الصعود للطابق الأعلى غرقت السفينة بكل مَن عليها من ركاب. وهنا ليس من المؤكد أن الاستشهاد بهذا الحديث الشريف يخدم الفكرة المراد تأكيدها، فنحن إزاء عمل تخريبي ليس من الحرية في شئ ولا يمكن الدفاع عنه لأن الخطأ فيه واضح، وربما كان يساعد التلميذ أكثر على فهم علاقة الحرية بالمسؤولية إن ضربنا له مثلًا قريبًا من سنّه وإدراكه كحقه في حرية اللعب داخل المنزل لكن دون إزعاج الجيران، أو كحقه في حرية التعبير عن وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر الأكبر منه سنًا لكن في إطار من الاحترام والتهذيب.
• • •
الملاحظة الثانية أن هناك نتائج واستخلاصات توصّل إليها الكتاب لا يعرف القارئ بالضبط من أين استقاها المؤلفون أو ما هي مصادرهم على وجه التحديد. المثال الواضح على هذه الملاحظة نجده في صفحتّي ٢٠ و٢١ في التطبيقات الخاصة بإعراب الفعل المضارع، إذ ورد في الكتاب "قرأت خبرًا في صحيفة. يقول الخبر: إن طريقة خلع الملابس تكشف عن شخصيتك"، ويستطرد الكتاب قائلًا "إذا كنت تخلع ملابسك ببطء، فأنت تثق في نفسك، وتفكر بعمق، ولن تتشاجر مع أحد، وتحب أن تبتعد عن الأصوات المرتفعة، وغالبًا ما تجلس وحيدًا لتتأمل جمال الطبيعة التي خلقها الله" صفحة ٢٠. وكواحدة غير متخصصة في التحليل النفسي لم أستطع في الحقيقة أن ألتقط العلاقة بين خلع الملابس بهدوء من جانب والثقة بالنفس والبعد عن الشجار وحب الطبيعة والتأمل في جمالها من جانب آخر، فما بالنا نطالب طفلًا في العاشرة أو في الحادية عشرة من عمره بإدراك هذه العلاقة؟. ويواصل الكتاب نفس الفكرة فيقول في صفحة ٢١ "أما إذا كنت تخلع ملابسك بسرعة فإن لديك اهتمامًا بالآخرين، وأنت جرئ وصريح، ولا تدهش فأنت تعشق العمل"، وقد يكون خلع الملابس بسرعة في غرفة تغيير الملابس في النادي مثلًا أو في أحد محلات الملابس دليلًا على الاهتمام بالآخرين الذين ينتظرون دورهم في خلع ملابسهم، لكن إذا كان التلميذ يُغيّر ملابسه في بيته فما علاقة ذلك بالاهتمام بالآخرين أو عدم الاهتمام بهم؟ وما صلة ذلك بالجرأة والصراحة وحب العمل؟. أخيرًا يقول الكتاب "وإذا كنت تخلع ملابسك بعناية وتضعها في مكانها في ترتيب فأنت لم تتعوّد حياة الفوضى والحياة الصاخبة، لأن شعارك: لنتخذ من النظام صديقًا، ومن المحافظة على المواعيد أسلوب حياة" صفحة ٢١، ولعل هذا الربط بين خلع الملابس بعناية وحب النظام هو الربط المنطقي الوحيد، لكن هل هو دليل على رفض الحياة الصاخبة؟ لا أعرف. فكّرت للحظة أن هذا الجزء كله جاء على سبيل المزاح والترفيه عن التلاميذ، ولو كان الأمر كذلك لوجَبَ على المؤلفين التنويه.
• • •
آتي للملاحظة الثالثة وهي الملاحظة المتكررة التي تخص موضع الآيات القرآنية من مقررات اللغة العربية. ولقد بُحّت الأصوات التي تدعو إلى أن تكون نصوص الدين في حصص الدين ونصوص اللغة العربية في حصص اللغة العربية. لكن في كل مرة يتم الرد على هذه الملاحظة بالقول إن قراءة القرآن تزيد من حصيلة المفردات اللغوية وترفع من مستوى إتقان اللغة العربية، وهذا صحيح لكن إن كان هذا فعلًا هو الغرض فإن القراءة تكفي دون الحاجة إلى الحفظ، فالمهم في الأمر هو التدريب على النطق الصحيح والتأكد من سلامة مخارج الألفاظ عند التلاميذ، وهو مطلب لا يُلتَفَت إليه أبدًا. فإذا ما جئنا لكتاب اللغة العربية المقرّر على الصف السادس الابتدائي في الفصل الدراسي الثاني وجدناه يتجاوز مسألة قراءة الآيات القرآنية أو حتى حفظها إلى المطالبة بتلاوتها. ففي التدريبات والأنشطة الموجودة في صفحة ٤٠ يطلب الكتاب من التلميذ في التدريب رقم ٧ ما يلي "تدرّب على تلاوة الآيات القرآنية من خلال شرائط الكاسيت أو أقراص الليزر في مكتبتك أو مكتبة المدرسة، حتى يستقيم حديثك وتصّح لغتك"، فلمن يتوجّه هذا التدريب بالضبط في كتاب اللغة العربية؟ وهل يتصوّر واضعو الكتاب أن يرتّل التلميذ المسيحي آيات القرآن الكريم بعد الاستماع إليها في شرائط الكاسيت التي لم تعد بالمناسبة موجودة أصلًا في الأسواق؟
• • •
أختم بملاحظة طريفة ترتبط بمسألة عدم وجود شرائط كاسيت في الأسواق وانقطاع الكتاب بالتالي عن الواقع المعاش، وذلك بأن أعود إلى مقدمة الكتاب التي جعَلَت من ضمن نواتج التعليم المتوقَعَة من دراسة الوحدة الثالثة المخصّصة للآداب والقيم "أن يكون التلميذ قادرًا على أن يستخدم دليل التليفونات استخدامًا مناسبًا"، وحبذا لو أرشدني واضعو الكتاب عن أي دليل للتليفونات مازال موجودًا ونحن نقترب من نهاية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وشرحوا لي علاقة هذا الدليل بموضوعات الوحدة الثالثة من الكتاب الخاصة بالآداب والقيم، وبيّنوا لي أهمية تعليم التلاميذ كيف يستخدمون دليل التليفونات استخدامًا مناسبًا، لأني خشيت وأنا أذاكر مع حفيدتي إن هي سألتني عن تلك التفاصيل ألا يكون لدّي ما أجيبها به.