فجأة طرحت وزارة العدل مشروع قانون تداول المعلومات على موقعها على الإنترنت.
ان يكون لدينا قانون لتداول المعلومات حلم طال انتظاره، لكن يبقى الجدل حول كيف يكون شكل القانون ومواده.
صباح الاثنين الماضى كنت مشاركا أنا والصديق ياسر عبدالعزيز فى مناقشة هذا الموضوع مع الإعلامية المتميزة دينا عبدالرحمن فى برنامجها «زى الشمس» على فضائية سى بى سى.
خلال البرنامج تحدث المستشار أحمد سلام المتحدث باسم وزارة العدل، وقال ان الموجود على موقع الوزارة مجرد خواطر وليس مشروع قانون، وانهم ينتظرون مشاركة الجميع، مضيفا ان النقاش حول القانون سيبدأ يوم 19 يناير الجارى، لكنه رفض تحديد موعد لإحالة القانون إلى مجلس الشورى لإقراره.
مضمون «الخواطر» حسب تعبير المستشار سلام، مهم لكن المهم ايضا ان نتحدث عن الطريقة التى تم طرح الموضوع بها.
المفترض أنه قبل وضع «الخواطر» على الإنترنت ان يتم بحث الموضوع مع أهل الاختصاص، وهم فى هذه الحالة نقابة الصحفيين وقادة الرأى وخبراء القانون والمسئولون الأمنيون وكل ذوى الصلة.
الذى حدث ان الوزارة بعثت بالفعل هذه الخواطر إلى الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل ودعته لحضور حلقة النقاش الأولى طبقا لما قاله المستشار سلام.
لكن لماذا لم تفعل الأمر نفسه مع من يهمه الأمر، وبعدها تتريث حتى تتسلم المقترحات، ثم تضعها فى مشروع قانون، نبدأ بعده ما يسمى بالنقاش المجتمعى.
أما ان نبدأ من «الخلف» فتلك عادة لا تدعو إلى التفاؤل.
تعبير «النقاش المجتمعى» صار يدعو إلى الريبة والخوف، بالنظر لما حدث فى مسودة مشروع الدستور الذى جرى تمريره رغم انسحاب التيار المدنى، ثم سمعنا المصطلح نفسه بعد إصدار قرار جمهورى بزيادة الضرائب على بعض السلع، وهى المرة الأولى فى التاريخ التى يتم فيها «النقاش المجتمعى» بعد إقرار القانون وليس قبله، ولكن يبدو أنها مدرسة جديدة فى التفكير كما افتت مستشارة رئيس الجمهورية الدكتورة باكينام الشرقاوى.
نفس الأمر حدث نسبيا فى مشروع قانون الانتخابات الذى تم إحالته لمجلس الشورى فى أقل من أسبوعين، دون أن يخضع لنقاش حقيقى، ولا نلوم فقط هنا الحكومة ومؤسسة الرئاسة، بل نلوم أيضا جبهة الإنقاذ التى تعاملت مع الموضوع بتقصير شديد.
مرة أخرى نشكر وزارة العدل على «خواطرها» لكن نناشدها التريث، وان تخضع هذه «الخواطر» إلى أكبر نقاش ممكن، حتى لا تحدث الكارثة التى شهدناها بعد إقرار الدستور.
لن تكون هناك مشكلة إذا عشنا لمدة ثلاثة أو حتى ستة شهور من قانون معلومات حتى يكون لدينا مجلس نواب منتخب يناقش هذا القانون ويقره.
لا نريد قانونا «مسلوقا أو مشويا»، وبعدها نصرخ، ثم تكلف مؤسسة الرئاسة لجنة لحصر المواد المختلف عليها، وبعدها تصدر تعديلا أو قانونا جديدا.
نريد حماية الأمن القومى لمصر، لكن ليس لدرجة أن نعيد جوهر نظام مبارك المعادى للشفافية فى صورة عصرية تحت عنوان حرية تداول المعلومات.
لا نريد مجلسا أعلى للمعلومات تكون نسبة ممثلى الحكومة فيه أعلى من نسبة المجتمع المدنى والإعلاميين أنفسهم، فالمؤكد أن الحكومة ستقاتل من أجل عدم نشر معلومات عنها حتى لو كان راتب عامل البوفيه باعتبار انها معلومة سرية. نريد قانونا يتيح تداولا حقيقيا للمعلومات بحيث نقضى على أى مظاهر للفساد قبل أن يتحول إلى سرطان. لكن قبل الجدل بشأن مواد القانون علينا ان نناقش «خواطر» وزارة العدل قبل ان نفاجأ بتحولها إلى قانون يقره مجلس الشورى الإخوانى.