المغرب ــ تونس الاستخدامات السياسية والاجتماعية للشتم والسبّ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المغرب ــ تونس الاستخدامات السياسية والاجتماعية للشتم والسبّ

نشر فى : السبت 10 أكتوبر 2020 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 10 أكتوبر 2020 - 8:55 م

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى، نددت فيه استخدام النواب فى مجلس النواب التونسى أفظع الشتائم والسباب للحصول على مكاسب سياسية وتشويه سمعة الطرف الآخر.. جاء فيه ما يلى.

علّق أحد المنتمين إلى حزب سياسيّ على ما يحدث من تراشق بالتهم وشتم فى مجلس الشعب بأنّه «أمر تافه ولا يجب أن يلهينا عن مسئولياتنا، وأوّلها تطويق عدوى الكورونا»، «بينما رأى بعضهم أنّ ما يجرى هو فى الواقع، انعكاس للعلاقات الاجتماعيّة الصدامية فى تونس، ومن ثمّة لا دعوى للتهويل والتنديد». غير أنّنا نرى أنّ الشتائم المتبادلة جديرة بأن تُحلّل من منظور العلوم السياسية والاجتماعية والتواصلية والنسويّة لما لها من تأثير فى الرأى العامّ وفى تشكيل موقف الناخبين.
يُعتبر استخدام الشتائم فعلا تواصليّا قائما على إلحاق الأذى بالآخر قصد تشويه سمعته فى المجال السياسيّ. وتتحدّد دلالات الشتائم وفق السياق والمقام وهويّة الناطقين بها وغيرها من العوامل. فإذا خرجنا مثلا إلى الشارع تكون لدينا توقّعات ما ــ قبلية حول سلوك بعض المارّين، ومن ثمّة فإنّنا نكون على استعداد مسبق لتحصين أنفسنا من «التلوّث السمعيّ»، إذ بإمكاننا أن نضع سمّاعة الهاتف الذكيّ التى تمكنّنا من الإبحار فى عالم الموسيقى الراقية. ولكنّ متابعة خطبة الجمعة أو حضور موكب عزاء أو أشغال جلسة عامّة وفى فضاء يتحمّل فيه الفاعلون مهمّة التشريع ومناقشة القوانين ومتابعة تنفيذها ومساءلة الوزراء فذاك يفترض تطابق أداء الحضور مع التوقعات. وفق هذا الطرح نفهم لِم تفاجأ المشاهدون بسلوك أحد النواب وممارسته للعنف اللفظى؛ إذ كان الأمر فى نظرهم، صادما ومثيرا للعجب لاسيما بعد أن اختارت الأغلبية التزام الصمت. فلا الإسلاميّ (بمرجعيّته الإسلامية) نبس بكلمة أو طبّق مقولة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» ولا «الحداثي» دافع عن الممارسات الديمقراطية الفضلى أو عن «نساء بلادى نساء ونصف..»..
ليست ممارسة الشتيمة، فى نظرنا، سوى محاولة للتموقع فى فضاء سياسيّ، وعلامة على الرغبة فى إرساء علاقات رهانها الأساسى السلطة، وفرض الهيمنة على الجموع. فأن تشتم وتسبّ معناه أنّك تريد إلغاء الآخر، وتفكيك علاقات نجح خصمك فى بنائها مع الآخرين، وأن تسحب منه البساط علّك تلفت انتباه الآخرين إلى شخصك، وتعيد رسم المواقع السلطوية على أسس جديدة. فإذا اعتاد القوم الاستماع إلى التدخلات البليغة القائمة على الاستدلالات الطريفة والأساليب الحجاجية المتنوّعة فإنّ الوافد الجديد على المشهد يريد تحويل النقاشات من إطار بلاغة الخطاب وقدرة صاحبه/ته على الإقناع فى إطار المتعة العقلية إلى إطار الفرجة البصرية والتسلية وتنوّع أساليب الشتم والسبّ والثلب: كرّ وفرّ، وهرج ومرج، وغمز ولمز، وحركات جسدية بالرأس والإصبع واللسان... وتبعا لذلك ننتقل من البرلمانى السياسيّ المتحذلق الذى ينتقى عباراته ويتحكّم فى القوّة الغضبية إلى البرلمانى المهرّج «البلطجي» محترف الشتم والقذف والتنابز بالألقاب.. وبذلك تنتقل ممارسة السياسية إلى الدرك الأسفل ويتحوّل المجلس إلى مسرح لتبادل الشتائم ويغدو شعار المرحلة «أن تحكم معناه أن تشتم».
ولئن اعتاد القوم العراك بين الرجال فى سبيل السلطة بدعوى أنّ الرجل عدوانيّ بالضرورة فإنّ المثير للانتباه هو توجيه الشتائم إلى المرأة داخل مجلس الشعب الّذى سنّ تشريعا يلزم الدولة بحماية النساء من كلّ أشكال العنف الممارس عليهنّ وتلك لعمرى مفارقة كبرى. والبرلمانيّ إذ يعتدى على زميلته يكشف عن رهانات السلطة؛ إذ لا مجال للقبول بامرأة «سليطة اللسان»، ومن هنا يكون الشتم والثلب.. استراتيجية للإقصاء والتصميت فأنّى لامرأة أن تنطق أو «تلعب» فى ملعب يسوده فحش الكلام؟ وهنا تنقلب الأدوار فإذا بالنائب الذى أزعجته تدخلات امرأة فى فضاء السياسية، وهو ذكورى بامتياز، يردّ الفعل فيغدو فاعلا بعد أن كان مفعولا به، ومتكلّما بعد أن ظلّ مستمعا. ومن خلال استخدام الفحش يخال الآخذ بتلاليب الفحولة أنّه قد روّض العدوّة اللدودة وحوّلها من فاعلة إلى مفعول بها، وهو الوضع «الطبيعي» للنساء.
ولا غرو أنّ الاستخدام السياسيّ للفحش عندما يكون معضودا بالاستخدام الاجتماعى وتفعيل الايحاءات الجنسية يقيم الدليل على أنّ المهمّ ليس الوقوف على فحوى الشتائم بل إدراك النوايا التى يريد تحقيقها من وراء السبّ والقذف. إنّها لعبة تجريد الآخر من كلّ فضائله/ها، وحتى من أنوثتها أمام الملأ حتى تنكسر..
ولأنّ الإفلات من العقاب والتطبيع مع العنف باتا قاعدتين فى العمل السياسى، فإنّ الممارس للعنف يتصوّر أنّه كسب المعركة. غير أنّ ما يجهله النائب أنّ اللجوء إلى استخدام العنف هو تصرّف بدائيّ وموقف انفعاليّ غايته الدفاع عن الذات المجروحة. فمن انكسر فى النهاية؟

التعليقات