نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن تناول فيه ندرة الأبحاث والدراسات العربية المعنية بالتعرف على الآخر، على الرغم من أهميتها فى التطلع على علوم ومعارف الآخر، إضافة إلى انحصار مفهوم الآخر فى أذهان العرب على الغرب، مما أدى إلى ندرة الأبحاث المهتمة بالآخر غير الغربى مثل الصين والهند.. نعرض من المقال ما يلي:
حتى اليوم يمكن القول إننا، كأمة، خاضعة للدرس من الآخرين، ولم نتحوّل بعد إلى دارسين لهم. صحيح أن روادا للنهضة الفكرية العربية اهتموا بدراسة الآخر الغربى، من زاوية عقد المقارنة بين حالنا وحاله، وبغية بلوغ ما حققه من تقدم بتنا متخلفين عنه، فهذه كانت غاية رفاعة الطهطاوى فى كتابه المهم: «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز»، ولم تكن مؤلفات شهيرة لأسماء بارزة فى تاريخنا المعاصر، ككتاب قاسم أمين «تحرير المرأة»، وكتاب على عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم»، وكتاب عبدالرحمن الكواكبى «طبائع الاستبداد»، وكذلك كتاب طه حسين «فى الشعر الجاهلى»، بعيدة عن تأثير ما اكتسبوه من معارف من الآخر الغربى.
لا نأتى على ذلك من باب المأخذ، فما كان للفكر العربى أن يشهد النقلة التى عرفها نحو التنوير والحداثة لولا تلك المؤلفات، التى سعت لتأخذ من فكر الغرب ما يفيد فكرنا وحده، وإنما واقع الحال فى مجتمعاتنا، ولكن الغاية هى الإشارة إلى ندرة الأبحاث والدراسات العربية التى سعت إلى معرفة الآخر، الغربى وغير الغربى، من قبل مفكرينا العرب، وربما كان هذا منطلق مفكرين مثل الدكتور أنور عبدالملك، وكذلك الدكتور حسن حنفى لتأسيس ما دعاه «علم الاستغراب» كمقابل لـ«علم الاستشراق»، أى إن نحذو حذو الغرب فى دراسته من داخله، كما فعل هو نفسه فى دراستنا، وهذا الجانب الأخير كان محل اهتمام إدوارد سعيد فى كتابه الشهير عن «الاستشراق»، الذى سعى فيه إلى تفكيك منظومة الاستشراق معرفيا، وما أثاره الكتاب، عربيا، من مناقشات اتفقت مع الكتاب، أو اختلفت، كما فعل صادق جلال العظم فى كتابه «الاستشراق والاستشراق معكوسا».
اللافت أن الآخر فى أذهاننا، نحن العرب، يكاد ينحصر فى الآخر الغربى، ومن النادر أن نتجه للآخر غير الغربى، حتى لو كان بعيدا عنا جغرافيا، كالصين واليابان مثلاً، وحتى الهند القريبة من بلدان الخليج. نفهم أن لاهتمامنا بالغرب مبرراته الموضوعية، حيث كنا على تماس تاريخى معقد معه، فضلاً عن قرابتنا الجغرافية، فلا يفصل بينه وبين غالبية بلدان المشرق والمغرب العربيين سوى البحر الأبيض المتوسط، ولكن، وخاصة فى عالم اليوم، لم تعد الصين والهند وسواهما بأقل أهمية.
لا باس أن نُذكر فى هذا الإطار بصفحة من تاريخنا. عنينا دراسة أبى الريحان البيرونى عن ديانات الهند، الذى انتهى من وضعه فى بداية العام الهجرى 423، حيث قضى 40 عاما فى تلك البلاد يدرس شرائع أهلها وعاداتهم وأعيادهم، ونظم حياتهم، وخصائص لغتهم، وأصدر تلك الدراسة فى كتاب حمل عنوان: «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مردودة»، ليصبح الكتاب من أول المراجع العالمية عن تلك البلاد».