استدعاء العاشر من رمضان - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:31 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استدعاء العاشر من رمضان

نشر فى : الإثنين 11 أبريل 2022 - 8:25 م | آخر تحديث : الإثنين 11 أبريل 2022 - 8:25 م
عقارب الساعة كانت تشير إلى الثانية وخمس دقائق ظهر يوم العاشر من رمضان 1393 هجرية، الموافق السادس من أكتوبر 1973، عندما انطلقت 240 طائرة مقاتلة لتدك المواقع الإسرائيلية الحصينة فى عمق سيناء، بينما ألقت المدافع الثقيلة بحمم نيرانها على أهدافها بتركيز يضمن تدميرها كلية، فيما كانت حناجر الجنود فى قواربهم لحظة عبور قناة السويس، أصعب مانع مائى، لا تكف عن ترديد صيحة «الله أكبر».
هذا المشهد، الذى مضى عليه نصف قرن هجرى، لا يجب أن يكل المصريون أو يملوا من استدعائه كلما هلت علينا ذكرى يوم النصر، وتحرير الأرض من عدو ظن أنه لا يقهر، ولا يمكن للمصريين أن تقوم لهم قائمة عقب هزيمة 5 يونيو 1967، فأخذ قادته يتبجحون بخطوطهم الهجومية التى يصعب الاقتراب منها، وحصونهم الدفاعية التى يستحيل اختراقها، لكن المقاتل المصرى الذى آمن بعدالة قضيته كان له رأى آخر.
ذكرى العاشر من رمضان التى صادفت يوم أمس الإثنين، لا بد وأن تُستدعى إلى الأذهان باستمرار، ليس من باب التفاخر فقط، وهو مطلوب على كل حال، لكن لتأكيد أن تحقيق الأهداف لا يتحقق بالأمانى، وإنما بالعرق والدماء التى تبذل فى ساحات التدريب وميادين القتال، وأن إرادة النصر يمكنها قهر روح الهزيمة والاستسلام لواقع مأزوم مهما كانت الضغوط والتهديدات، فالإيمان بالحق وعدالة ما تدافع عنه كفيل بأن يضع الشعوب فى منطقة أخرى، غير تلك التى يريدها أعداؤها.
وتأمل معى ما قاله الجنرال ديفيد إليعازار رئيس أركان الجيش الإسرائيلى بعد أن تجرع العدو كأس الهزيمة: «إن حرب أكتوبر(العاشر من رمضان) هى حرب تختلف عن كل الحروب التى خضناها ضد العرب. كانت المبادرة دائما فى أيدينا، وكان التحرك بالنسبة إلينا أمرا سهلا، لأننا نحن الذين كنا نهاجم، ولكن هم الذين هاجموا، ومعنى ذلك أن التوقيت لهم والهجوم لهم، أما المفاجأة فهى لنا، وأصبح علينا أن ندافع، وهذا أمر مرير كان يحز فى نفوسنا».
الهجوم المباغت، والمفاجأة التى أخذت بعقول قادة الكيان الصهيونى، كان تأثيرها أكثر مما يحتمل. فقد كانت المفاجأة كما قال الكتاب الكبير أحمد بهجت رحمه الله: «هى العنصر المادى الأول للنجاح، وكان الجهد الذى بذله ضباط الجيش وقادته ومفكروه وجنوده جهدا غير عادى، وقد بذل هذا الجهد فى صمت تام، وهكذا التقى عنصر الجهد بعنصر الكتمان، وتعاونا معا على شق مجرى العبور».
المفاجأة التى زلزلت الحصون الإسرائيلية، دمرت فى طريقها نظرية الأمن الإسرائيلى القائمة على التوسع واحتلال أراضى الغير، ونقل المعارك خارج حدود دولة مغتصبة للحقوق، وبتعبير المؤرخ العسكرى جمال حماد، فى كتابه «6 أكتوبر فى الاستراتيجية العالمية» فإن الإسرائيليين ظلوا يتبنون مقولة شهيرة لرئيس وزرائهم الراحل مناحم بيجين مفادها «أنا أحارب.. إذن أنا موجود» لكن حماد يقول إن معناها الحقيقى «أنا موجود، إذن أنا أتوسع»، وهى المقولة التى ثبت فشلها على أيدى المقاتلين المصريين.
كثيرة هى الأوهام والأساطير التى حاول العدو الإسرائيلى ترويجها عن نفسه، وعن قدراته الهائلة فى خوض الحروب والتوسع على حساب أراضى الغير، لكنها جميعا سقطت تحت هدير دبابات الجيش المصرى، وحمم مدافع «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه» فإما النصر وإما الشهادة، وشعب صابر مثابر، شكل ظهيرا مساندا ومضحيا بلقمة عيشه، وأرواح أبنائه من أجل كرامة لا يمكن التفريط فيها تحت كل الظروف.
رحم الله شهداءنا الأبرار الذين ارتقوا إلى بارئهم فى ساحة الدفاع عن وطنهم، ولم يبخلوا بأرواحهم من أجل استرداد سيناء كاملة إلى حضن مصر، لنتذكر تضحياتهم، وبطولاتهم، كلما دارت الأيام وحلت ذكرى العبور.
التعليقات