تامير باردو
يتحدث عدد غير قليل عن التهديد الكبير الذى يحوم فوق دولة إسرائيل، فيدعى البعض أنه إيران، ويدعى آخرون أنهم الفلسطينيون. لكن فى نظرى الخطر الأكبر هو نحن، أو لمزيد من الدقة هو منظومة التدمير الذاتى التى اكتملت فى السنوات الأخيرة تماما بما يشبه أيام دمار الهيكل الثانى.
إن دولة إسرائيل هى أعجوبة تاريخية قامت على بقايا اللجوء ومن 70 جالية فى المنفى، وبعكس كل التوقعات أنشأت دولة فى قلب منطقة معادية، ونجحت من خلال حرب دفاعية فى إنشاء وطن للشعب اليهودى. وقد خاضت سبع حروب، بالإضافة إلى حرب لم تنته بعد ضد الذين ما زالوا يحاولون تدميرنا، ولم تتردد فى تحويل هذه القطعة من الأرض التى كانت من دون موارد طبيعية إلى قوة اقتصادية كبرى. لكن هذه الدولة منقسمة وتنزف، والذين يتربصون بها شرا ينتظرون الوقت الملائم. فبعد أربع معارك انتخابية جرت فى عامين تشكلت حكومة من الصعب أن نستوعب أنها استطاعت أن تحظى بأغلبية ولو ضئيلة، لكن الذين أُبعدوا عن الحكومة بعد 12 عاما يرفضون الاعتراف بالنتيجة، كما يرفضون التعامل مع رئيس الحكومة بصفته رئيسا للحكومة. وعندما لا يقوم زعيم حزب لديه عشرات المقاعد فى الكنيست بهذه المبادرة الرمزية، فإن المقصود هو تقويض جوهر التوافق السياسى الذى يشكل حجر الأساس فى قيام الدولة. فهذه المعارضة السياسية تقاطع كل اقتراح قانون، ومما لا شك فيه أن من حق المعارضة محاولة إسقاط الحكومة، لكن من غير الممكن أن تمنع تمرير قوانين تتلاءم مع وجهة نظرها، ومع الأمن القومى، ومع مصلحة الجمهور، ذلك بأن شل عمل الحكومة غير موجود فى العقد الاجتماعى الذى يعتمد عليه النظام الديمقراطى.
علاوة على ذلك، يمتاز الخطاب الإسرائيلى بعدم التسامح والعنف الكلامى حيال كل من يفكر بطريقة مغايرة، ويمثل الكنيست الإسرائيلى نموذجا للسلبية التى تتسلل إلى المجتمع الإسرائيلى. والاستقطاب ليس بين وجهة نظر اشتراكية وأُخرى رأسمالية، ولا بين محافظين وليبراليين، أو بين يسار ويمين، كما يمكن أن نعتقد، بل إن الاستقطاب الحقيقى والمخفى عن قصد يكمن فى وجهة النظر الأساسية إزاء ماهية الدولة اليهودية. والنقاش الأساسى عام 1948 كان بشأن موضوع الدين والدولة، والانقسام السياسى بشأن إقرار القوانين، أما النقاش الثانوى الذى لم يُحسم كان بشأن حدود الدولة، وذلك على الرغم من الإعلان الأساسى أن الدولة هى «تنظيم سياسى لتحقيق مصالح مدنية فى أراض معينة».
منذ 10 يونيو 1967 ليس لدولة إسرائيل حدود، كما أن الحكومات الإسرائيلية طوال 55 عاما، يمينة كانت أم يسارية، وباستثناء ضم القدس والجولان، لم تضع الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن حدودها. واليوم يعيش فى الدولة ثلاثة أجيال لا يعرفون غير هذا الواقع، يهود وغير يهود، إذ إننا منذ يونيو 1967 دولة من دون استراتيجيا. ولا جواب على سؤال: كيف تبدو دولة اليهود بعد 30 عاما؟ ليس هناك سياسى واحد مستعدا أن يضع هدفا، فقد امتنع زعماء الدولة على مر السنوات من اتخاذ القرار، هم خافوا ويخافون من اتخاذ قرار، كذلك يتخوفون من تحمل مسئولية التخلى عن أجزاء من البلد الموعود، ومن ناحية أُخرى يخافون من ضياع الحلم الصهيونى بالدولة اليهودية إذا ضموا كل أجزاء الوطن.
بالنسبة إلى كل شخص يعتبر نفسه صهيونيا من البديهى أن دولة ليس فيها أغلبية يهودية مطلقة ستكون نهاية الحلم الصهيونى. يوجد اليوم بين البحر والنهر يهود صهيونيون ويهود غير صهيونيين، وهناك من غير اليهود ضمن حدود 1967، كما يوجد من غير اليهود فى الضفة الغربية وفى أراضى غزة. إن التفكير أو الوهم بأنه سيأتى يوما سيقبل فيه هؤلاء الناس أن يكونوا معزولين من دون حقوق متساوية مع اليهود أصحاب الوطن اليهودى هو هذيان مطلق. يتعين علينا أن نفهم ذلك مرة واحدة وإلى الأبد: لا توجد قوة فى العالم تمنع الإنسان من الطموح والعمل بكل الوسائل من أجل الحرية والمساواة.
فى اللغة العبرية يوجد لكلمة «حدود» عدة معانٍ ــ وعدم ترسيم الحدود والأراضى يمكن أن يؤدى إلى طمس الحدود المتعارف عليها والنموذجية. إن عدم التسامح مع الرأى الآخر، والرفض لحماة الدولة والنخب على مختلف أنواعها، كل هذا هو جزء من غياب الحدود الناجم عن عدم الرغبة فى حل مشكلة إسرائيل الأولى وهى: ما هى الدولة النى نريدها؟ وما هى حدودها؟
رئيس سابق للموساد
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية