لماذا لن تتغير السياسة الخارجية لإيران حتى بعد وفاة رئيسى؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:32 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا لن تتغير السياسة الخارجية لإيران حتى بعد وفاة رئيسى؟

نشر فى : الخميس 11 يوليه 2024 - 6:20 م | آخر تحديث : الخميس 11 يوليه 2024 - 6:20 م

أشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية على خامنئى، فى خطاب عام فى 2 مايو 2021، إلى احتمال تقلّص دور وزارة الخارجية فى تحديد السياسة الخارجية للبلاد. وجاء هذا التصريح فى أعقاب تسريب تسجيلات صوتية لوزير الخارجية آنذاك، محمد جواد ظريف، اشتكى فيها من محدودية سلطة وزارة الخارجية. وقد أكّد خامنئى على أن «السياسة الخارجية فى مختلف أنحاء العالم لا تمليها وزارة الخارجية، بل مستويات السلطة الأعلى».
اتّبع إبراهيم رئيسى، منذ تولّيه أعلى منصب فى السلطة التنفيذية قبل ثلاث سنوات بعد انتهاء ولاية حسن روحانى، نهجًا دبلوماسيًّا يتماشى على نحو وثيق مع رؤية المرشد الأعلى لبلاده. وفى نوفمبر 2023، أحالت الحكومة مشروع قانون «التصدى للعقوبات» إلى مجلس النواب، وأنشأت مجموعة عمل لمعالجة المسألة.
تَرِد الأهداف الأساسية لمشروع القانون فى ديباجته، وهى: «ضرورة التصدّى للعقوبات بطريقة فعّالة وقائمة على المبادئ»، و«تقديم الدعم الملائم للمواطنين المتضررين من العقوبات»، و«منع تأثير هذه العقوبات على أراضى البلاد»، و«وضع ضمانات للتنفيذ المناسب من أجل التصدّى للعقوبات ومنفّذيها». اللافت أن مشروع القانون أحال وزارة الخارجية إلى دورٍ مساوٍ للدور الذى يضطلع به المستشار القانونى للرئيس، ورئيس التلفزيون الرسمى، ووزارة الاستخبارات. وقد سلّطت هذه الخطوة، التى صادق عليها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان فى نهاية المطاف، الضوء على تضاؤل تأثير وزارة الخارجية فى عهد رئيسى.
خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أسفرت مجموعة من الإجراءات عن تقويض دور وزارة الخارجية فى السياسة الخارجية الإيرانية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك اعتماد «الخطة السابعة للتنمية» فى أكتوبر 2023. هذه الخطة تمثّل الاستراتيجية الخمسية لإيران (2024 ــ 2029) التى تهدف إلى تحقيق النمو الاقتصادى والاجتماعى والثقافى. إنها عبارة عن مشروع قانون تشريعى مؤلّف من 22 فصلاً فى سبعة أقسام رئيسة هى التنمية الاقتصادية، والبنية التحتية، والتقدّم الثقافى والاجتماعى، والعلوم والتكنولوجيا، والسياسة الخارجية، والدفاع والأمن، والإصلاحات الإدارية. لقد همّشت الخطة السابعة للتنمية بشكل واضح وزارة الخارجية من خلال منح سلطة صنع القرار للجهات الفاعلة غير التقليدية فى إيران، بما فى ذلك القوات المسلّحة، ومنظمة الطاقة الذرية ووزارة الاستخبارات. فقد أُعفيت هذه الكيانات صراحة من تنسيق أنشطتها فى الخارج مع وزارة الخارجية، ما تسبب بتقويض إضافى لدور الوزارة المركزى فى الدبلوماسية الإيرانية.
• • •
فى الأعوام الأخيرة، حدث تحوّل ملحوظ فى المشهد الدبلوماسى الإيرانى. ويبرز هذا التغيير من خلال اتفاقَين أساسيَّين يتمثّلان فى التقارب مع السعودية فى مارس 2023 والاتفاق الاستراتيجى الموقّع مع الصين فى مارس 2021 والممتد لخمسة وعشرين عامًا. اللافت فى الاتفاق الذى جرى التوصل إليه بين إيران والسعودية بوساطة صينية هو اقتصار مشاركة وزارة الخارجية على الحد الأدنى. وبدلًا منها، كان على شمخانى، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومى وممثّل خامنئى، فى موقع الصدارة فى هذه المحادثات. وعلى المنوال نفسه، تجاوز خامنئى وزارة الخارجية فى إبرام الاتفاقية مع الصين لمدّة خمسة وعشرين عامًا. فقد أوكل المهمة الحاسمة بالتفاوض على الاتفاق وإنجازه إلى مستشاره السياسى على لارجانى. تشير هذه التطوّرات إلى اتجاه أوسع نطاقًا يتمثّل فى تنامى تأثير خامنئى فى السياسة الخارجية. فقد أنشأ هيكليات سلطة موازية، سواء داخل الجيش أو من خلال شبكة من المستشارين، لممارسة سيطرة أكبر. وبدا أن هذا النهج استمرّ من دون عوائق فى عهد رئيسى.
منذ تنصيب رئيسى فى عام 2019، شهدت السياسة الخارجية الإيرانية تحوّلًا مهمًّا. فقد تدهورت العلاقات مع البلدان الغربية، فيما ازدهرت الروابط مع روسيا والصين. يتواءم هذا الميل نحو الشرق مع توجّهات خامنئى، والدليل على ذلك الاستقبال الحار الذى خصّ به الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. ففى 19 يوليو 2022، عقد الرئيس بوتين، خلال زيارته طهران، اجتماعًا مع خامنئى قال فيه الأخير إنه لو لم تتدخّل موسكو فى أوكرانيا، كانت المعارضة لتتسبب بنشوب نزاع من خلال سلوكيّاتها. علاوةً على ذلك، أظهرت الصور التى التُقطت للاجتماع بينهما خامنئى مصافِحًا بوتين بحرارة، وهى خطوة لافتة، نظرًا لأن مكتب المرشد الأعلى لا ينشر عادةً صورًا من لقاءاته مع مختلف الشخصيات. وكان خامنئى قد أشاد ببوتين فى لقاء سابق معه فى نوفمبر 2017، واصفا إياه بأنه «ذو شخصية قوية ورجل قرار وعمل».
لا تزال المحادثات لإحياء الاتفاق النووى الذى أُبرِم مع الولايات المتحدة فى عام 2015 غير حاسمة. فى غضون ذلك، دأبت إيران على السعى إلى الحصول على العضوية فى مؤسسات غير غربية، فانضمت إلى منظمة شنجهاى للتعاون وأبدت نيّتها بالانضمام إلى مجموعة بريكس. فضلًا عن ذلك، قدّمت إيران، حسبما أفادت التقارير، دعمًا عسكريًّا لروسيا خلال الحرب فى أوكرانيا من خلال تزويدها بالأسلحة.
• • •
من المهم الإشارة إلى أنه وفقًا لقاعدة غير مدوّنة فى الجمهورية الإسلامية، يتم دائمًا اختيار وزير الخارجية بموافقة المرشد الأعلى قبل عرض الاسم على مجلس الشورى الإسلامى لنيل الثقة. وهذه القاعدة غير المدوّنة مقبولة وتُعتبَر مبدأ شائعًا فى إيران. على سبيل المثال، قال هادى طحان نظيف، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، فى مقابلة معه: «إنه تقليد شائع أن يجرى اختيار وزيرَين أو ثلاثة بالتنسيق مع المرشد الأعلى».
خلال هذه المرحلة، ازداد نطاق السلطة التى يتمتّع بها شاغلو المناصب غير المنتخبة الخاضعة لإشراف المرشد الأعلى الإيرانى، والتى هى أيضًا معنيّة بالسياسة الخارجية. نتيجةً لذلك، أصبحت هذه المؤسسات أكثر بروزًا وعزّزت تدريجيًا نفوذها فى السياسة الخارجية، ما أدّى إلى تقليص دور الوزارة وتهميشها. ومن المستبعد إلى حد كبير أن يؤدّى انتخاب رئيس جديد إلى تغيير فى هذا الصدد. الجدير بالذكر أن خمسة من بين المرشحين الستة الذين سُمح لهم بالمشاركة فى الانتخابات الرئاسية فى 28 يونيو 2024، هم سياسيون موالون للمرشد الأعلى. حتى المرشح السادس مسعود بزشكيان المدعوم من الإصلاحيين شدّد مرارًا على ولائه لخامنئى وأشار إلى ضرورة التقيّد بتوجيهات المرشد الأعلى فى السياسة الخارجية.
اتّبع خامنئى، على مدى السنوات الماضية، استراتيجية تقوم على إضعاف الفصائل السياسية التى تدعو إلى تحسين العلاقات مع الغرب، وتهميشها. يرتكز هذا النهج على عقيدته المتمثلة فى «عدم موثوقية الغرب» وقوامها أنه لا يمكن الوثوق بالغرب، بغض النظر عمّن يتولّى السلطة. لقد تعمّد المرشد الأعلى الإيرانى إضعاف وزارة الخارجية التى قد لا يمتلك سيطرة راسخة عليها، وذلك من أجل تعزيز المؤسسات التابعة له. وعهد أيضًا بالمسائل الحسّاسة فى السياسة الخارجية إلى معاونيه الموثوقين، وبالتالى قلّل من خطر فقدان السيطرة على هذه المجالات البالغة الأهمية.

سعيد جعفرى
صدى كارنيجى
النص الاصلى:

التعليقات