وانتصر الغباء - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وانتصر الغباء

نشر فى : الأحد 11 أغسطس 2019 - 11:35 م | آخر تحديث : الأحد 11 أغسطس 2019 - 11:35 م

عندما يصبح الغباء شكلا من أشكال الواقع وعليك أن تستوعبه وربما تجاريه فماذا تفعل؟ ربما تتحلى ببعض الصبر وتتشبث بعلقك وتكثر من تمرينات الذاكرة التى بدأت تصاب بالتعب حتى تعبت الذكرى من الذكريات.. ربما لأنك تخزن الكثير لتعيش عليه ما تبقى من أيام. أو ربما لأن ما تراه الآن فى كل لحظة ما هو إلا أثر فى السحاب أو بعض من أثر فوق الرمال.. تعرف أن أفراحك فتحت الباب ذات اليوم وخرجت بعيدا، تعرف أن الموت هو الحقيقة الأكثر بقاء بداخلك أو كما يقول واسينى الأعرج فى «سوناتا لأشباح القدس» أننا «نخطئ دوما حينما نظن أن الذين نحبهم معصومون من الموت».

***

تعود لتلملم نفسك وسط الفراغ الممتد، كلما التفت صوبا أصابك الغباء والكسل المستشرى ببعض الكآبة وأنت تعرف أن حبوب «الزنك» أصبحت أكثر انتشارا من العلكة!! وأن عبارة مثل إنه او إنها مصاب/ة بالاكتئاب هى الأخرى تفشت كما الحديث عن الانفلونزا الموسمية. كثيرون تصوروا أنه وبما أن الغباء داء فلا بد أنك الآخر قد أصبت به وأنه لا علاج له كالطاعون أو السرطان المنتشر فى العظام الندية.

***

ولكن لماذا التفكير فى الغباء والاكتئاب ومواسم الأعياد هلت وزحف الناس إلى الكعبة يؤدون مناسك الحج بعضهم فى حملات بخمس نجوم وآخرون بلا نجمة. بعضهم يأكلون السلمون المدخن وآخرون يبحثون فى صفائح القمامة عن بعض من مخلفات الطعام المكدس فوق الموائد الفاخرة. معظم مرتادى الخمس نجوم حج هم من الباحثين عن غسل عام من كثرة المعاصى وبعض الكفر!! وآخرون يخشعون لأن المناسك هى فقط للخشوع. ولكنهم جميعا حملوا هواتفهم النقالة حتى فى الطواف فلم يعد للخشوع احترامه ولا للأماكن المقدسة.. يتجاور المفترشون الأرض للخشوع مع رواد الأسواق والمحال التجارية المتخمة بالبضائع كثيرها منتج فى الصين فلم تعد هذه الأمة تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع أو تخيط!

***

يأتى العيد الكبير ومساحات البهجة تضيق والكثيرون يمارسون طقوس الأعياد كما المسيرين فلا خيار إلا أن تحتفل به على طريقة الراحلين الأوائل مع كثير من التوابل والبهارات أصول التمدن والتحضر! طقوس العيد كالزواج قدر مكتوب على الجميع ومن يشذ تنبذه القبيلة وتنظر له بكثير من الريبة، ولكن هنا يختلف الأمر بين امرأة أو رجل، العازب من الرجال بعد سن الزواج هو «صيد» ثمين للكثيرات وأمهاتهن وكل العائلة. أما النساء فالخوف منهن يزداد كالباحثات عن فريسة ثمينة المترصدات للرجال حتى المتزوجين منهم.. بئس هذه الثقافة ذات الرائحة النتنة.. وبئس حضارة القشور التى لم تتعلم أن البشر كل البشر لهم الحق فى الاختيار حتى لو كان ذلك فى تلك المؤسسة العجوز!!

***

ينهى الغباء كل ما تبقى من جمال يحاربه كالخلايا السرطانية ويتربع آمرا ناهيا لا شريك له إلا هو.. يتزاوج الغباء مع الجهل حتى بين أكثرهم علما، لا يستطيع أى منهم الخروج عن الصف حتى ليبدو أنه العاق أو الابن الضال الذى لن يعود كما فى فيلم القدير يوسف شاهين.

***
كيف نتخلص من الغباء ومدارسنا تنتجه بشكل يومى ومع سبق الإصرار والترصد للأدمغة الطرية.. يستغرب الكثيرون كيف استطاع تنظيم مثل داعش أن يخترق عقول المتعلمين منا، ألا ينظروا بعض الشيء ويراجعوا مناهجنا ومعلمينا الذين كانوا سابقا مربين واليوم هم الأحوج بمن يربيهم!! داعش هى امتداد لأنظمتنا التعليمية والغباء المتفشى وتصدى الأدمغة حتى التحجر..

***

يرددون عناوين كالإبداع والتنوع والذكاء الاصطناعى وغيرها من العبارات الرنانة وهم الأكثر بعدا عن كل ذلك. فهل ينتج الغباء إبداعا؟ وهل تنتج العقول المتصدية إلا العجز؟ وهل نستطيع أن نتذوق الجمال ونحن نفسر كل كتب السماوات حول التكفير والوعيد؟ هل ينمو الغباء إلا فى مناخ من النفاق الجمعى والكذب المجمل بألوان الطيف.

***

ضحكوا عليكم بالأحرف المزينة فانغمستم فى الملذات الحسية فقط وفى مناسك الحج تغتسلون أو تضحكون على أنفسكم بمسح العام المنصرم وكل حج وأنتم بألف خير متخلصين من بعض الغباء الذى ينهى آخر ما نحمله من أشيائنا الجميلة.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات