المغرب ــ تونس: تغيير بؤرة التحديق - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:58 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المغرب ــ تونس: تغيير بؤرة التحديق

نشر فى : الأربعاء 12 مايو 2021 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 مايو 2021 - 9:41 م

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى... نعرض منه ما يلى:

لطالما ردد الحالمون/ات بالتغيير أن الإطاحة برأس النظام لا تعنى تحقيق المراد إذ ينبغى الانطلاق فى هدم المنظومة القديمة والعمل على استبدالها بمنظومة تعبر عن طموحات التونسيين/ات، وتلبى حاجتهم إلى العيش الكريم والحريات والتقدم... وقد تجلى حرص المؤمنين/ات بتغيير الواقع فى تأسيس جمعيات مختلفة وتكثيف برامج التدريب وتنظيم الحملات التوعوية وممارسة الضغط وغيرها من الأنشطة التى أثبتت رغبة شرائح كبرى من التونسيين/ات فى إنجاح مسار التحول. ولم تقف النخب مكتوفة الأيدى إذ كان عليها أن تنخرط فى مشروع إعادة البناء أو أن تساير «الموجة» أو تستغل السياق فتتعلم وتطلع وتشحن خطاباتها بالمصطلحات والمفاهيم التى تتلاءم مع السياق وتلبى توقعات الجموع. وفى السياق ذاته كان على الإعلام أن يؤسس هياكل جديدة ويقوم بالتعديل الذاتى، ويسعى إلى اكتساب المهارات المطلوبة. وبعد كل هذه الجهود والوقت الذى أهدر والأموال التى صرفت، والمكتسبات التى تحققت، إن كان على مستوى الوعى والقوانين، والنشاطية والأداء إلا أن الخطاب السائد يعج بالأحكام: «فشل مسار التحول الديمقراطى» وحدوث «الانسداد السياسى والاقتصادى والاجتماعى» و«سقوط المنظومة» وحدوث الانحسار...
ولئن احتل الفاعلون فى المجال السياسى المركز فى خطاب توجيه الإدانة والاتهام فكانوا المتسببين الأساسيين فى هذا «الدمار» فإن المتأمل فى أسباب عجز المنظومة الجديدة عن التوطن، من جهة، وأسرار صلابة المنظومة القديمة وقدرتها على الصمود أمام محاولات الهدم، من جهة أخرى لا يسعه إلا الإقرار بأن المنخرطين فى العمل السياسى من قيادات حزبية وفاعلين/ات ونواب/ات لا يمكن أن يكونوا وحدهم المسئولين عن هذا الوضع ذلك أن التفكير وفق ثنائية المركز/الهامش يقيم الدليل على عدم استيعاب مطالب أغلب الذين ساهموا فى هذه التحولات: هؤلاء الشبان والشابات الذين ثاروا على تصور قديم يصر أصحابه على النظر إلى العلاقة بين السياسيين وغيرهم من الناس على أنها علاقة «الراعى بالرعية» أما ما ينتظر من القاعدة أو الهامش فهو الطاعة والامتثال.

ولا نعدم الأمثلة الدالة على عدم استيعاب القيم التى يتمسك بها من شاركوا، ولازالوا فى محطات التغيير احتجاجا وممارسة للضغط. فإصرار «المشيشى» على أن تغيير وجهة نظام التلقيح يعود إلى ضمان استمرارية الدولة ويعيد إلى الأذهان تمثل الحاكم لنفسه وحاشيته (الوزراء، المستشارون، الولاة، العمد...) على أنهم الأجدر بحق الحياة، وأن حياة الشعوب تتوقف على وجودهم. وفى المقابل لا معنى لحياة الآخرين ولا قيمة لبقية التونسيين، ولاشك أن هذا الفهم يفضح عدم الإيمان بجوهر العدالة الاجتماعية واستمرار المنظومة التمييزية وتوزيع الناس على أساس تفاضلى تراعى فيه الطبقة والمهنة والانتماءات الأيديولوجية والولاء السياسى ومن ثمة فنحن إزاء شعب «النهضة» /«المشيشى» المختار.

ونظرا إلى أن الفاعلين فى المجال السياسى لا يمثلون إلا جزءا من المشكلة، فإن آفاق الإصلاح تتسع لتشمل فاعلين آخرين يمكن التعويل عليهم. فبالرغم من عجز النسيج الجمعياتى عن التحول إلى قوة ضغط لها وزن فى المعادلة السياسية وبالرغم من توقف التمويل الأجنبى وعدم البحث عن بدائل محلية تلغى التبعية، وتشتت الجمعيات بسبب الخلافات الداخلية إلا أن الخبرة التى تجمعت لدى الناشطين/ات والوعى الذى تحقق والمهارات التى اكتسبت تسمح للناشطين/ات بالتحول إلى كتلة فاعلة قادرة على تأسيس مجتمع مدنى صلب قادر على تغيير المعادلة لاسيما إذا تبنى مطالب المحتجين/ات.

وبالرغم من عجز القطاع الإعلامى عن تحويل مشروع الإصلاح إلى واقع فعلى، وبالرغم من مظاهر النكوص والرجوع إلى بيت الطاعة أو بيع الذمم والاستخفاف بالمهنية والمبادئ وعدم استيعاب متطلبات المرحلة فإن الأصوات المؤمنة بقدرة السلطة الرابعة على تحقيق التغيير المنشود لازالت تدافع عن الأداء المسئول. نلمس ذلك فى مبادرات القطع مع الرداءة، والبحث عن البدائل، وفى اتخاذ قرار عدم تغطية بعض أنشطة النواب أو المسئولين الذين لا يحترمون حرية التعبير ويسعون إلى فرض شروطهم، ورفض مناقشة بعض الظواهر...

إن الاستمتاع بالوضع السكونى وممارسة البكائيات وندب الحظ والاستمرار فى تحميل السياسيين وحدهم مسئولية ما وصلنا إليه ليس إلا مواقف دالة على الهروب من تحمل العبء الملقى على عاتق كل مواطن/ة فى هذا السياق المفصلى. ونقدر أن قلب المعادلة من القاعدة إلى الأعلى ومواصلة درب المقاومة والنشاطية والعمل الجدى وغيرها من أشكال تجسيد الحضور الإيجابى سيقودنا إلى صناعة المستقبل.

التعليقات