نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب حسن مدن تناول فيه المثل الشعبى الذى يقول «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، فيرى أنه كما أن الطبيب يلقب بحكيم فالمجرب أيضا يعد حكيما، وهذا المثل له فاعليته فى بعض الحالات.. نعرض منه ما يلى.
يقول المثل الشعبى: «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، وأشقاؤنا فى بلاد الشام يطلقون على الطبيب وصف الحكيم، فيصبح المثل عندهم: «اسأل مجرب ولا تسأل حكيم». ونحسب أن وصف الطبيب بالحكيم موروث من الزمن الذى كان فيه أهل العلم والحكمة والفلسفة حمَلة سلّة واسعة متعددة من المعارف بينها الطب، وتكفى نظرة سريعة على أسماء مهمة فى تاريخنا العربى الإسلامى للتأكد من ذلك.
فى الطب حكمة بالتأكيد، لكن ليس كل طبيب حكيما بالضرورة، وفى حالنا هذه التى نناقش فيها ثنائية المجرب والطبيب، فإن صفة الحكيم، لغةً، تنطبق على المجرب أيضا، لأن التجربة تمنح صاحبها حكمة ودرسا، فخبراته فى الحياة، بمرّها وحلوها على ما يقال، تجعله مختلفا عن الشاب الغض الذى يجرب الأمور أول مرة، فهو لم يمتحنها من قبل، ولم يمتحن ما فيها من صعاب أو نجاحات، من سلبيات أو إيجابيات.
أذكر أن ميلان كونديرا فى إحدى رواياته أشار إلى ما معناه أننا معشر البشر كائنات بلا تجارب إزاء الخيارات الشخصية فى حيواتنا، فنحن نختار تخصصا فى الجامعة فى مقتبل أعمارنا دون أن نكون عرفنا من قبل كُنه هذا التخصص بدقة، وهل يناسبنا أم لا، والشىء نفسه يقال عن أول وظيفة نختارها، وأول تجربة زواج نعيشها، ونصبح آباء أو أمهات أول مرة دون أن نكون قد امتحنا أنفسنا من قبل فى هذا الدور أو الصفة.
الاستدراكات هنا واجبة، وفى مقدمتها الاستدراك حول استعداد المجربين، أى من عاشوا تجارب مختلفة فى الحياة، أن يتعلموا منها، ويتفادوا الوقوع فى أخطاء سبق أن وقعوا فيها، فما أكثر البشر الذين لا يتعلمون من دروس الحياة، ويجدون أنفسهم، واعين أو غير واعين، يرتكبون الحماقات نفسها، وهذا القول لا ينطبق على الأفراد وحدهم، وإنما على الجماعات والملل والأمم، التى تكرر الخطأ مرة تلو المرة، ولن نكون ظالمين لو قلنا إننا، معشر العرب، واحدة من هذه الأمم.
ولأن الشىء بالشىء يذكر، فإن سلامة موسى تناول موضوع «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» فى أحد مقالاته التى حواها كتابه «مشاعل الطريق للشباب»، وبدأه بالقول إن هذا المثل من الأمثلة التى تضرّ أكثر مما تنفع، فالعلم والطب يتقدمان بوتائر سريعة، وكذلك الأجهزة الطبية المستخدمة فى العلاج، وبالتالى فإن الحكمة الموروثة قد لا تكون أكثر فاعلية من رأى الطبيب وخطته فى العلاج.
ولأننا تحدثنا عن الاستدراكات الضرورية، فإن سلامة موسى استدرك بالقول إنه قد يكون لهذا المثل فاعليته فى بعض الحالات، فالتعميم، فى جميع حالاته، منبوذ.