فى اليوم الخامس والثلاثين من حرب الإبادة الصهيونية على غزة اجتمع العرب والمسلمون! نعم سيدون التاريخ بعد أكثر من 35 يوما من الإبادة ومن القذائف التى طاردت الأرواح البريئة حتى فى غرف العناية المركزة بالمستشفيات أو فى حديقة المستشفى التى تحولت إلى ملجأ جديد، بعد كل ذلك دعا القادة إلى اجتماع «طارئ»! ومستعجل أيضا! ربما تغيرت مفاهيم ومعانى هذه المفردات حتى العربية منها.. ربما»!
• • •
كانت الأنظار كلها باتجاه القادة العرب وحكوماتهم، ثم المسلمون ثم وبعد صريخ تلك السيدة الخارجة من تحت أنقاض بيتها وهى تصرخ «وينكم يا عرب؟» تحول الجميع ليتعلق بأى حبل نجاة ينقذ طفلا فلسطينيا آخر وامرأة وشيخا وشابا ورجلا من الموت الذى يطاردهم أينما نزحوا وأينما لجئوا وأينما استقروا فى مخيم مؤقت، يتحول إلى دائم، أو حديقة أو غرفة بمستشفى أو حتى أرض فضاء تحت شجرة زيتون قبل أن تقتلعها أيديهم وقذائفهم.
• • •
كما أسقطت غزة الأقنعة واحدا تلو الآخر ؟! فكان أن استدار الجميع للمنظمات الدولية الإنسانية والتنموية والنسوية وتلك المختصة فى حقوق الإنسان والطفولة وكل تفاصيل الشجر والحيوانات والبشر.. قالت لى تلك السيدة الجالسة أمام دكانتها فى أحد المناطق المكتظة ببيروت «وين تشتغلى؟» وعندما كشفت لها أننى كنت فى الأمم المتحدة انتفضت وصرخت ورددت «اوعك تقولى لأحد فى الحى» أو أى أحد «روحى يا شيخة أى أمم وأى متحدة؟» وأضافت إن غزة وفلسطين ستحررنا حتى من الاتكال على كيس طحين أو علبة دواء، وما إن تأتى القذائف لتصطاد الأرواح البريئة حتى يرحلوا هم ويتركوا طبعا ما هو معروف فى مثل هذه المنظمات بـ«الموظفين المحليين»، وهناك فرق شاسع بين الموظف المواطن من البلد والقادم من الخارج بدرجات ورتب ومخصصات، وما إن تفتح السماء أبوابها على جحيم حرب أو اقتتال، إلا ويتم ترحيل الموظفين «الدوليين» ويبقى الموظف المحلى يناضل مع أهله وعائلته وعلى أرض وطنه حتى أن موظفى الأونروا فى غزة تحولوا إلى فريسة للحقد الصهيونى دون أن يكون هناك أكثر من استنكار وبيانات هنا وهناك وتكرار وبعض دمع!
• • •
غزة كشفت الجميع ــ أنظمة وحكومات ديمقراطية وغيرها وملكية وأخواتها ومنظمات وحتى بعض الشعوب ومنهم أيضا بعض بعضنا نحن.. ألم يقل لك البعض ويكرر «ألا تتحملوا وجهة النظر المختلفة؟» بعد أن يقدم كثير من المقدمات المطولة حول انتهاك حماس للقانون الإنسانى والدولى و...و... وقبل أن يقول إن السكان المدنيين فى كل مكان خط أحمر ثم وعلى خجل أو استحياء يبدأ بوصلة عن حزنه لما يجرى للشعب الفلسطينى فى هذه الحرب البشعة ولا يلبث وأن يكرر «حرب حماس وإسرائيل» حتى تعبنا ونحن نقول إنها حرب إسرائيل ــ الدولة المحتلة الصهيونية ــ على كل الشعب الفلسطينى بل وكل المنطقة لو استطاعوا.. ونعيد: فلسطين ليست وجهة نظر ولا مساحة هناك للاختلاف الذى لا يفسد للود قضية.. لا إن الود يسقط أمام أشلاء الأطفال التى تلملمها الأمهات أو المسعفون فى أكياس البلاستيك أو بقايا قطعة قماش مع بقايا ألعابهم أو عصفورتهم التى رحلت.. حرب الإبادة على الشعب الفلسطينى ليست وجهة نظر ومن يريد أن يستمر فى مجاملة الرجل الأبيض أو أن يعيد تكرار أن حماس هى «إرهابية» عليه أن يفهم أن هناك ملايين من البشر من نيويورك مرورا بواشنطن وباريس وبرشلونة ولندن وكل المدن والعواصم، كلهم يصرخون فى وجه الإرهاب الذى بدأته عصاباتهم الصهيونية ولم يتوقفوا هم ــ الإرهابيين ــ الذين غيروا مظهرهم ببدل وربطات عنق وبعض العبارات هنا وهناك.
• • •
تعود لتتذكر أو تذكرهم إن قضية فلسطين ليست وجهة نظر، ولا يمكن مقارنتها بما كان قبلها أو بعدها، أى بعد 1948، ولا تستطيع إلا أن تعيد قراءة بعض تاريخ هذا الشعب ونضالاته وكثير مما كتب وقيل، مثل ما كتبه جورج حبش إلى آنى كنفانى بعد اغتيال غسان زوجها فى بيروت فى العام 1972 «أنت تعلمين أن غسان كان يقاتل فى سبيل قضية عادلة، وتعلمين أن شعبنا الفلسطينى قد خاض حربا عادلة على امتداد خمسين عاما.. إن دم غسان المضاف إلى نهر الدماء العظيم الذى دفعه شعبنا طوال خمسين عاما هو الثمن الذى ينبغى علينا أن ندفعه لنفوز بالحرية والعدالة والسلام». هنا يتوقف جورج حبش ورسالته لزوجة رفيقه الذى لم يحمل سلاحا و لم يرسل صاروخا بل حمل القلم وكتب ورسم وأبدع فى كل ما قام به، ولكنهم كانوا ولا يزالون يطاردون الفلسطينى أينما كان وفى أى مكان ارتحل.. إنها فلسطين المحتلة وهى ليست وجهة نظر.