«إرث عبدالناصر».. السناوى روائيا - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:02 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«إرث عبدالناصر».. السناوى روائيا

نشر فى : الإثنين 13 يناير 2020 - 10:45 م | آخر تحديث : الإثنين 13 يناير 2020 - 10:45 م

فى كتابة «لمصر لا لعبدالناصر» يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل: «عندما استبيح التاريخ وخرج من النسيان عشرات من رواة الحكايات عن عصر عبدالناصر سمعت كثيرين يسألوننى: ــ كل هؤلاء تكلموا، وبعضهم دعم روايته بثقة شاهد العيان، وأنت متى تتكلم؟
ــ وكان ردى دائما:
ــ دعوا الكلام لمن يريد الكلام. ولو أصغينا جيدا لوجدنا المتكلمين يروون فى الواقع عن أنفسهم وليس عن عبدالناصر».
لكن الكاتب الكبير عبدالله السناوى يأتى من جيل مختلف عن جيل الأستاذ هيكل، هو لا يروى عن نفسه فى كتابه المهم الصادر عن دار الشروق «أخيل جريحا.. إرث جمال عبدالناصر»، بل يتحدث عن حروب وصراعات، عن أفراح واتراح، عن لحظات فارقة فى عمر المنطقة.. عن فلسطين وارتباط أحداثها بتاريخ مصر.
فى «أخيل جريحا» يبحر السناوى فى مياه ذات مد عاتٍ فى فترات، وجزر أعنف فى أوقات أخرى، يتحدث عن وقائع وبشر من لحم ودم.. عن أدباء وشعراء وكبار كتاب وصحفيين، عن رجال بلاط، وفقراء من جموع الشعب العامل هؤلاء الذين رأوا فى عبدالناصر تجسيدا لأحلامهم فى العدل الاجتماعى والكرامة الوطنية.
بحس فنان مرهف، وريشة أديب، وعقل موضوعى يدرك قدر الرجال وأقدارهم، راح السناوى يروى صفحات من قصة زعيم ثورة يوليو، ردا على من قالوا: «دون سند من واقع» إن عبدالناصر مات يوم الهزيمة فى 5 يونيو 1967.
يقول الكاتب الكبير: «الحقيقة أن المسافة ما بين الهزيمة العسكرية (1967)، والرحيل المفاجئ (1970) أفضل سنواته.. الهزيمة أثرت على صحته دون أن تنال من عزيمته. لم يكن صريع الهزيمة لكنه جريحها؟». وبنظر تراجيدى، يقول السناوى فهو «أخيل جريحا، لا أخيل صريعا».
يكتب السناوى عن تجربة، على الرغم من انحيازه لها، بعقل الناقد والمنتقد الذى يضع أصابعه على العيوب، ويكشف الثغرات التى أدت إلى الانقضاض على الأحلام الكبيرة، ومحت مشروع عبدالناصر بـ«أستيكة» عقب وفاته فى 28 سبتمبر 1970.
و«بالوثائق والشهادات، وبعضها شبه مجهول، وبعضها ليس فى العلم العام أنه موجود»، حاول السناوى «بناء رؤية جديدة فى عصر جديد لأهم تجربة فى التاريخ الحديث وأكثرها إثارة للجدل» وكأنها «نظرة فى المرآة بقوتها وتجاعيدها».
الجديد فى هذه النظرة، أنها جنبا إلى جنب الاستناد إلى وثائق تاريخية مهمة، لم تغفل النظر فى «مرآة الأدب، رواية ومسرحا وشعرا» كى تعكس «الروح العامة للمرحلة، أحلامها وتناقضاتها، وانقلابات المشاعر والمواقف فيها».
بدافع ذكرى مولد جمال عبدالناصر التى تصادف يوم 15 يناير من كل عام، أعدت تقليب صفحات «أخيل جريحا»، لأجد نفسى أغوص من جديد بين دفتى سفر نقش السناوى كلماته فوق حجر من الجرانيت الفاخر الذى يصعب محو السطور التى طبعت على متنه الصلد، لأكتشف أننى أمام أديب ربما حاصرته «الحوادث» وحالت مهام العمل اليومى المرهق على امتداد تجربته الصحفية دون أن يخرج الروائى الكامن داخله.
يمر الكتاب على يوميات حرب فلسطين التى كتبها عبدالناصر لأن «أصدق ما ينسب للرجل ما كتبه بخط يده تعبيرا عن مشاعره ومشاهداته فى لحظة الحدث دون أن يتوقع أن أحدا سوف ينظر فيما كتب ولو بعد عشرات السنين» كما فعل السناوى فى «إرث جمال عبدالناصر» مع حرب فلسطين التى غيرت «مسار حياته إلى الأبد»، وجعلته «الرجل» الذى سأل الشاعر الكبير كامل الشناوى فى جريدة الأخبار، صبيحة 23 يوليو 1952، متى يظهر؟
«أخيل جريحا» استدعاء لأحلام كانت تحلق فى الفضاء فتحولت على يد عبدالناصر إلى واقع ملموس، كتب السناوى عنه بعين جواهرجى، وروح روائى يصعب على بعض سطور فى مقال، وإن اتسع متنه، الإحاطة بكل تفاصيله، غير أن المهم أننا أمام عمل يستحق القراءة ليس مرة واحدة، بل العديد من المرات.

التعليقات