يواجه الفلسطينيون، وخاصة فى القدس المحتلة، عمليات قمع يومية من قبل قوات الاحتلال فى ظل حكومة إسرائيلية هى الأكثر يمينية وتطرفا، والتى يدعو بعض وزرائها علنا ليس إلى تهجير الفلسطينيين من بيوتهم وسلب قراهم، بل إلى قتلهم ومحو وجودهم من الحياة، لإقامة المزيد من المستوطنات فى الضفة الغربية، وتغيير الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى المبارك.
وفى ظل الهجمة الشرسة التى يتعرض لها المقدسيون، ومع استمرار اقتحامات وزراء ومسئولين ومستوطنين إسرائيليين لباحات المسجد الاقصى لفرض تقسيم زمانى ومكانى فى أولى القبلتين للمسلمين، يواصل بنيامين نتنياهو تحديه للحكومات العربية التى لا تزال تستجدى «حل الدولتين» الذى تجاوزته الأحداث، ولم يعد يذكره أحد لا فى إسرائيل، ولا فى الولايات المتحدة التى يعول عليها بعض الواهمين فى الحصول على قليل من الحق الفلسطينى!
تواصل إسرائيل هدم ونسف بيوت الفلسطينيين، وتستبيح المخيمات والبلدات فى الضفة الغربية لفرض سياسة الأمر الواقع التى تتيح لها الاستيلاء وقضم المزيد من الأراضى الفلسطينية، وضمان بقاء معاناة الشعب الفلسطينى واستمرار عيشه فى أسوأ الظروف الحياتية، بينما يكتفى العرب بتشكيل اللجان، والوعد بالسعى لتقديم بعض المساعدات التى تحتاج إلى شهور من استجداء تل أبيب وواشنطن قبل أن تصل إلى وجهتها، ولا تخرج عن العواصم العربية سوى خطابات هزيلة معادة ومكررة، عن ضرورة «حل الدولتين»، أو كلمات التحذير من انفجار قد لا يمكن «التحكم به».
تعلم إسرائيل أن ما تفعله فى القدس المحتلة، وباقى الأراضى الفلسطينية يخالف القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة، وهى لا تهتم أو تعبأ باجتماعات مجلس الأمن التى قد تعقد عندما يتصاعد الإرهاب الإسرائيلى وتتجاوز عمليات التنكيل بحق الفسطينيين الحد «المقبول إنسانيا»، فالفيتو الأمريكى حاضر دوما للمساعدة على إفلات إسرائيل من أى لوم أو عقوبة.
وقبل يومين شهدت الجامعة العربية عقد مؤتمر لدعم صمود القدس حمل عنوان «صمود وتنمية»، وحفل بالعديد من الكلمات التى تحمل قدرا من المساندة والتأييد للفلسطينيين، وخرجت بعض القرارات التى تحاول المساعدة فى منع المزيد من التدهور فى أوضاع الفلسطينيين، خاصة فى القدس المحتلة. المؤتمر حمل عدة رسائل بعضها موجه لإسرائيل، وبعضها إلى الفلسطينيين، والبعض الثالث إلى الداخل العربى، لتهدئة الخواطر، والنفوس المحبطة مما يدور فى أكناف بيت المقدس.
المشاركون جميعا تحدثوا عن أن دعم الشعب الفلسطينى، الذى اعتبره الرئيس الفلسطينى محمود عباس «واجب دينى وضرورة إنسانية ووطنية لا بد من أدائها»، غير أن أحدا لم يلوح، مجرد التلويح، بورقة التخلى عن وهم «السلام الإبراهيمى» الذى فرضته واشنطن وإسرائيل، وسارعت إليه بعض العواصم العربية، من دون أن يحصل الفلسطينيون مقابله سوى على المزيد من القتل والتنكيل والتعسف، وخيبة الأمل، بل زادت فى ظله الاقتحامات اليومية للمسجد الاقصى المبارك.
صمود القدس طال أوانه، بعد أن غاب عن قاموس العرب كلمة «تحرير» فلسطين، والاكتفاء بحديث أجوف عن «قضية العرب المركزية» من دون أن تترجم هذه المركزية إلى فعل، وهو الفعل الذى تتولى إسرائيل بحكوماتها المتعاقبة القيام به(!!)، ضمن مخطط مدروس لضياع الحق الفلسطينى فى إقامة دولته إلى الأبد، وهى المخططات التى لا يزال ابناء الشعب الفلسطينى يقاومون تمريرها بصدورهم العارية حتى الآن.
لم نسمع من مندوبى عواصم «السلام الإبراهيمى» ومن هرولوا إلى الحضن الإسرائيل، سوى بضع كلمات عجاف عن رفض وإدانة ما اسموه الاجراءات والانتهاكات الاستفزازية «لتغيير الوضع التاريخى والقانونى القائم فى مدينة القدس، والاقتحامات المتكررة لباحة المسجد الأقصى المبارك».
يرفض نتنياهو «حل الدولتين» ولا يقدم سوى وعد كاذب بادارة فلسطينية مدنية، ويمضى قدما فى تثبت أركان الأمر الواقع الذى يجعل من الفلسطينيين مجرد أيدى عاملة رخيصة فى دولة عنصرية، بينما يستمر بعض العرب فى استقبال وزرائه، وبحديث مراوغ عن دعم القدس!