نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالا لـ «ماثيو بريزا» – أحد أعضاء المجلس الأطلسى وممثل الولايات المتحدة فى لجنة المينسك من 2006 حتى 2009 وسفير الولايات المتحدة لدى أذربيجان من 2010 حتى 2011. يتناول الكاتب فى المقال قضية النزاع بين أذربيجان وأرمينيا على منطقة كاراباخ، ويركز بالأساس على تغير الموقف الروسى والأمريكى فى الوقت الحالي؛ بعد أن كانت الدولتان إلى جانب فرنسا مسئولين عن فض النزاع وإيجاد حلول له، أصبح الوضع القائم يتمثل فى تجاهل شديد من الجانب الأمريكى واهتمام زائد ومحاولة للانفراد بالقضية من الجانب الروسى. يحاول الكاتب فى المقال إبراز المواقف المختلفة للدولتين بتناوله لملابسات الصراع، ويحذر من أن الاستمرار فى تلك السياسات السلبية من كلتا الدولتين لن ينتج عنه إلا كوارث مستقبلية.
بدأ «بريزا» المقال بالحديث عن اندلاع الصراع مرة أخرى فى منطقة كاراباخ فى بداية الشهر الحالى، وهو ما نتج عنه حرب واسعة بين أذربيجان وأرمينيا، سقط على إثرها ضحايا عدة. وقد دعا القادة فى المجلس الأطلسى لضرورة وقف إطلاق النار ووضع حد للنزاع ولضرورة تكثيف الجهود من أجل إنهاء هذا النزاع السياسى الذى طال أمده، إلا أنهم لم يتخطوا حدود الشجب والإدانة. فى حين قام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين باتخاذ إجراءات حاسمة لإثبات أهمية الموقف الروسى فى فض النزاع ــ وإبعاد الدولتين عن الغرب.
***
تطرق الكاتب فى المقال إلى جزء من تاريخ الصراع، مشيرا إلى أن حرب «ناجورنو كاراباخ» قد اندلعت فى عام 1988 عندما قام قوميو الأغلبية العرقية الأرمينية فى «كاراباخ» بإجراء استفتاء من أجل الاستقلال والانفصال عن جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفييتية، ووقعت مناوشات بين الأرمنيين والأذربيجانيين بهذا الشأن. لم يمر وقت طويل حتى انهار الاتحاد السوفييتى فى عام 1991، واندلعت منذ ذلك الوقت حرب كبيرة بين تلك الدول المستقلة الجديدة «أرمينيا» و«أذربيجان»، راح ضحيتها نحو 30.000 قتيل وخلفت نحو مليون لاجئ وشريد داخليا، واستطاعت أرمينيا فى ذلك الوقت أن تستولى على ناجورنو كاراباخ بالإضافة لسبع مناطق أذربيجانية أخرى.
تم بعد ذلك وقف إطلاق النار فى عام 1994، وجرى الاتفاق على تشكيل لجنة المينسك Minsk تحت اشراف منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا للتوسط فى حل النزاع. كانت تلك اللجنة مشكلة من سفراء الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا. وقد كان الكاتب «ماثيو بريزا» هو ممثل الولايات المتحدة فى لجنة المينسك منذ 2006 حتى 2009، وكان نظيره الروسى هو «يورى مرزلياكوف»، وكان وفقا لـ «بريزا» سفيرا بناء كرؤسائه؛ وهم وزير الخارجية «سيرجى لافروف» الذى استضاف مسئولى اللجنة لساعات طويلة من أجل إجراء عصف ذهنى للخروج بحل للقضية، والرئيس الروسى «دميترى ميدفيدوف» الذى قام حينها بالدفع لتحقيق انفراجه حقيقية فى هذا النزاع فى عام 2009. وبالرغم من العداء الذى كان سائدا بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب الغزو الروسى لجورجيا فى 2008، إلا أن التعاون بينهم بخصوص ناجورنو كاراباخ كان سائدا على أكمل وجه.
يندهش الكاتب من وقف التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا بخصوص هذا الشأن فى الوقت الحالى. فبدلا من التعاون والتوحد لاتخاذ اجراءات حاسمة من خلال مجموعة المينسك، نجد أن روسيا تسعى فى هذا الأمر وحدها. ويفسر «بريزا» سلوك بوتين بأنه محاولة لقطع أى محاولة قام بها نائب الرئيس الأمريكى «جو بايدن» لإنعاش عملية السلام فى كاراباخ عندما اجتمع مع الرئيس «إلهام علييف» والرئيس «سيرج سيركسيان» وحدهم قبل يوم من اندلاع العنف. أو ربما يكون الرئيس الروسى قد غضب بعد أن استأنف رئيسا أرمينيا وأذربيجان اجتماعهما مع الرئيس أوباما على هامش القمة النووية التى عقدت فى نهاية مارس والتى قاطعها هو.
فالملاحظ أن الرئيسين غير راضيين عن تلك العمليات العسكرية كما حاولا اقناع الولايات المتحدة التدخل لحل النزاع. لأنه كما هو واضح أن العديد من الأذربيجانيين والأرمن يخشون من أن الفاعلين الخارجيين قد يحثون القادة العسكريين على اشعال الصراع من أجل تحقيق مصالح سياسية أخرى. فهم يتذكرون جيدا كيف استغلت روسيا حفل الأوليمبياد فى بكين لغزو جورجيا فى أغسطس 2008، وكيف كانت تستعد فى فبراير 2014 لشن عمليات عسكرية فى أوكرانيا.
***
ويستأنف «بريزا» منتقدا الموقف الأمريكي؛ فيقول إن بوتين على أى حال يحاول استغلال الموقف باستخدام دبلوماسية مكثفة لا يرغب اوباما فى اتباعها، ولكن هذا لا ينفى فشل البيت الأبيض فى إصدار بيان رسمى فى هذا الشأن، بل وإن أجهزة الدولة لا تصدر إلا البيانات الصحفية لجون كيرى والتى لا تعكس طبيعة الأوضاع والظروف الحالية هناك، هذا إضافة للروتين الجديد المتبع والمتمثل فى مناقشات كيرى التليفونية مع نظيره لافروف. وعلى النقيض من ذلك؛ يقوم بوتين باستمرار بعقد مشاورات مع الرئيسين علييف وساركسيان، كما يقوم وزراء الخارجية والدفاع الروسيين بالتعاون مع نظرائهم فى باكو ويريفان.
ونتيجة لذلك تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار فى 5 أبريل بتوسط القائد العسكرى الروسى بين نظرائه فى أذربيجان وأرمينيا، وكان ذلك بدون مشاركة مباشرة من مجموعة ولجنة المينسك. يسعى بوتين بهذا إلى إصلاح سمعة روسيا الدولية بعد كارثة أوكرانيا، كما يسعى لترك انطباع لدى قادة أذربيجان وأرمينيا أن روسيا وحدها هى الآمر الناهى فيما يخص عمليات إطلاق النار فى جنوب القوقاز.
ويستطرد الكاتب قائلا إن هذا التجاهل من قبل إدارة أوباما إنما يعطى الفرصة للكرملين لاستغلال الأوضاع فى تلك المنطقة التى تربط تركيا وروسيا وايران ووسط آسيا وامدادات الطاقة فى بحر قزوين. وقد قام بوتين بعد وقف إطلاق النار بالضغط على رئيس أذربيجان «إلهام علييف» للانضمام للاتحاد الاقتصادى الأوراسى ومنظمة معاهدة الأمن الجماعى، مما يكسبه ثقلا فى الاتحاد الأوروبى وحلف شمال الأطلسى، كما أعلنت موسكو أن جوازات السفر الروسية يمكن أن تستخدم للانتقال الحر لأرمينيا بما يمحى الحدود بين الدولتين.
ويختتم «بريزا» المقال بموقف إيران التى تحاول الآن الاتفاق مع روسيا لتشكيل ثلاثى تعاونى مع أذربيجان لملء الفراغ الذى تركته الولايات المتحدة، هذا بالإضافة لما يفعله بوتين بجذب أذربيجان وأرمينيا بعيدا عن الغرب، وهى خطوات يعدها الكاتب حجر أساس لمزيد من الكوارث المستقبلية، ورغم ذلك مازالت واشنطن فى موقف المتفرج.
إعداد ــ تغريد مجدى نور