الصحافة في عصر الرقمنة.. آمال ومخاوف - قضايا تكنولوجية - بوابة الشروق
الأربعاء 15 يناير 2025 8:30 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصحافة في عصر الرقمنة.. آمال ومخاوف

نشر فى : الثلاثاء 14 يناير 2025 - 6:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 14 يناير 2025 - 6:30 م

 تعمل غرف الأخبار، فى مختلف أنحاء الولايات المتحدة، على خفض أعداد الموظفين كنتيجة مباشرة لتأثيرات عصر التحول الرقمى. فى هذا السياق، ذكرت جريدة «بوليتيكو» أن أكثر من 500 موظف فى مختلف وسائل الإعلام المطبوعة والمذاعة والرقمية تم تسريحهم فى يناير 2024. ويستمر هذا الرقم فى النمو مع زيادة الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعى فى هذا القطاع. هنا تتساءل الكاتبتان نيكول تيرنر لى وكورتنى سى رادش عن "كيف ستتأثر نزاهة الصحافة مع تزايد لجوء غرف الأخبار إلى الذكاء الاصطناعى لإدارة نقص الموظفين أو زيادة الكفاءة، والأهم من ذلك، كيف ستتعامل غرف الأخبار مع نقص تمثيل الأصوات المتنوعة التى تساهم فى عالم وجهات النظر الإخبارية الأكثر اطلاعًا"؟

فى البداية، من المهم وضع تطور الصحافة فى سياق التكنولوجيا ومناقشة ما حدث لهذا المجال على مر السنين. تقول الكاتبتان  إن  أحد تعريفات الصحافة هو أنها "فن وعلم جمع الأخبار وتقديمها عبر أشكال مختلفة من وسائل الإعلام الجماهيرية". فى حين لم تغير التكنولوجيا هذا المفهوم بشكل جذرى، إلا أنها غيرت طرق تداول الأخبار وانتشارها وتفسيرها من قبل الجمهور المتلقى. فى هذا الصدد تشير الكاتبتان إلى إمكان الصحفيين وغير الصحفيين نشر المعلومات المتعلقة بالأحداث الجارية وقت حدوثها، إضافة إلى مشاركة الخبرات الشخصية والمهنية.

• • •

ذكرت الكاتبتان، فى هذا المقال، بعض عواقب الاعتماد المتزايد على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى فى الإعلام:

أولا، صعوبة تحديد مصدر المحتوى والأفكارالواردة فيه،  لأن أنظمة الذكاء الاصطناعى التوليدية غالبًا لا تشير إلى مصادر المعلومات التى يتم تدريبها عليها.

ثانيا، تتأثر استدامة بعض الأعمال التقليدية للإعلام بالاستخدام المتزايد للتكنولوجيا فى الصحافة. على سبيل المثال، أدى أتمتة المزيد من وظائف التقارير إلى تقليل الحاجة للاستعانة بالمراسلين البشريين.

ثالثا، أثرت ضرورة إتاحة المعلومات للجمهور المتلقى سريعًا وعلى أى جهاز متصل بالإنترنت على بعض قيم مهنة الصحافة منها البحث الدقيق عن صحة المعلومات.

• • •

لكن بجانب هذا الوجه السيئ لتقنيات العصر الرقمى، أوردت الكاتبتان فى المقال الجانب الإيجابى للاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعى فى مجال الإعلام عامة، والصحافة خاصة، حيث يسمح استخدام المؤسسات الإخبارية الذكاء الاصطناعى فى النسخ، وتحليل البيانات، وتخصيص المحتوى، وتحليلات الجمهور بتوفير قدر كبير من الوقت للصحفيين مما يتيح لهم التركيز على جهود أكثر استراتيجية وإبداعًا.

تضيف الكاتبتان أن الاستعانة بأنظمة الذكاء الاصطناعى التوليدية، مثل ChatGPT، يساعد فى إنتاج المحتوى وصياغته، وتلخيص النصوص، وتخصيص هذا المحتوى لمنصات متنوعة. لكن هذه المزايا يصاحبها عدد من التحديات منها ضرورة فحص مخرجات الذكاء الاصطناعى لتجنب عدم الدقة، كما يثير استخدامها أسئلة أخلاقية بشأن الاستقلالية، والتحكم التحريرى، والتحيز الضمنى، والتأثير على العمالة البشرية. علاوة على ذلك، تبيع شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل Google وMeta وMicrosoft وAmazon، البنية الأساسية للذكاء الاصطناعى لغرف الأخبار، مما قد يثير مخاوف بشأن استقلالية بعض وسائل الإعلام الإخبارية، حيث تمارس هذه الشركات نفوذًا كبيرًا على البيانات التى تجمعها غرف الأخبار وتستخدمها.

يثير اعتماد قطاع الصحافة على أنظمة الذكاء الاصطناعى بعض المخاوف لغموض هذه الأنظمة، إذ يتخوف البعض من التأثير المحتمل للشركات التكنولوجية الكبرى على كل من المخرجات التحريرية واستدامة نماذج الأعمال التى تدعم الصحافة المستقلة.

ولكى يكون الذكاء الاصطناعى أقل غموضًا وأكثر كفاءة فى غرف الأخبار، فلا بد من تصميمه ونشر تقنياته بعناية مع ضرورة وجود خبراء فى هذا المجال، بالإضافة إلى الوعى بتحيزاته وعيوبه. وفى هذه النقطة الأخيرة، ينبغى للصحفيين وغيرهم من القائمين على صناعة المحتوى إجراء المزيد من المناقشات حول مزايا وعيوب استخدام الذكاء الاصطناعى فى قطاع الصحافة قبل اعتماده.

• • •

جانب آخر من سلبيات الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعى فى الصحافة دون استراتيجية واضحة، إذ يمكن أن يؤدى الاستخدام المتلاعب لتقنيات الذكاء الاصطناعى إلى انتشار سريع للمعلومات المضللة، مما يفرض تحديات مزدوجة على الصحفيين. على سبيل المثال، أدت تقنيات «التزييف العميق»، التى تستخدم الذكاء الاصطناعى لتغيير الصوت أو فبركة الفيديوهات أو الصور للتلاعب بالأحداث أو التصريحات، إلى الإخلال بقيم الصحافة وخلق تحديات جديدة فى الحفاظ على الحقيقة والثقة العامة. توضح الكاتبتان أن هذه التقنيات تستخدم للتلاعب بالرأى العام، وتشويه سمعة الشخصيات السياسية، والتلاعب بآراء الجمهور خصوصًا خلال الانتخابات والأزمات.

معلومة أخرى، يشكل سرعة تداول المحتوى المزيف على المنصات الرقمية ضغوطًا على الصحفيين بإعطاء الأولوية لسرعة نشر المعلومة على التحقق من دقتها، خاصة فى سيناريوهات «الأخبار العاجلة». تعمل مثل هذه التوترات على تقويض نزاهة الصحافة، حيث يمكن أن تؤدى الضغوط المتزايدة للنشر بشكل أسرع إلى نشر تقارير غير مؤكدة أو كاذبة، ما يؤثر على ثقة الجمهور فى الصحافة.

• • •

إن استخدام الذكاء الاصطناعى فى الصحافة قد يؤدى إلى معضلات أخلاقية، بخلاف التقنية، تتعلق بالشفافية والمساءلة. فبالإضافة إلى إثارة التساؤلات حول المسئولية التحريرية، قد لا يكون الجمهور المتلقى على دراية بدور الذكاء الاصطناعى فى إنتاج الأخبار.

تابعت الكاتبتان القول بالإشارة إلى أن إدراج الأصوات المتنوعة (أى أعراق وثقافات ووجهات نظر مختلفة) يظل ضروريًا لمواجهة قيود الذكاء الاصطناعى وتحيزاته وتحدياته وتزايد تشكك الجماهير فى مصداقية وسائل الإعلام المتأثرة بالذكاء الاصطناعى.

إذن يتعين على غرف الأخبار دمج الأصوات المتنوعة فى العمليات التحريرية لضمان توافق تأثير الذكاء الاصطناعى مع المثل الديمقراطية المتمثلة فى الشمول والإنصاف. ويمكن للصحافة أن تتكيف مع العصر الرقمى دون التضحية بنزاهتها أو التزامها بخدمة الصالح العام الأوسع من خلال تقدير الإبداع البشرى والتفكير النقدى.

ختامًا، اقترحت الكاتبتان عددًا من الحلول للحفاظ على نزاهة الصحافة فى العصر الرقمى: أولًا، وضع معايير بين الصحافيين  تضمن الحفاظ على أخلاقيات المهنة منها النزاهة وتخفيف التحيز، إضافة إلى تحديد متى تعد أدوات الذكاء الاصطناعى مصدرًا موثوقًا لإعداد التقارير.

ثانيًا، الإلمام بأنظمة الذكاء الاصطناعى بجانب التأكد من الاستخدام المتساوى لأدوات الذكاء الاصطناعى فى غرف الأخبار المختلفة حول العالم.

ثالثًا، إجراء المزيد من الأبحاث لفهم العلاقة بين المؤسسات الإعلامية التقليدية وهذا النظام الرقمى المتطور الذى يعتمد على الذكاء الاصطناعى. من شأن هذا البحث أن يسد النقاط العمياء أو يساعد على الحد من انخراط الشركات التكنولوجية الكبرى فى سلوكيات ضارة بالأخلاقيات الصحفية والاستقلال التحريرى.

كلمة أخيرة، يجب التأكد من قدرة المؤسسات الصحفية على تحقيق التوازن بين الاستفادة من مزايا هذه التكنولوجيا دون الإضرار بأخلاقيات المهنة.

 نيكول تيرنر لى وكورتنى سى رادش

Brookings Institution

تلخيص وتحرير: وفاء هانى عمر

النص الأصلي

قضايا تكنولوجية قضايا تكنولوجية
التعليقات