منطقة «الراحة» إلى أين؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منطقة «الراحة» إلى أين؟

نشر فى : السبت 15 يوليه 2017 - 8:35 م | آخر تحديث : السبت 15 يوليه 2017 - 8:35 م

نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتبة «هيفاء صفوق» تقول فيه: هى أوقات نلتقط فيها الأنفاس، ونعيد ترتيب أنفسنا بهدوء، ونسقط ما علق بها من تعب أو جهد، مهمة وجيدة بين فترة وأخرى، نلغى فيها أغلب الالتزامات، ونهرب لداخل أنفسنا نتلمس جوهرها وجمالها، وهى عبارة عن استرخاء تام يختفى معه كل الضجيج والركض والتفكير والتوهان، البعض يشبهها بالعزلة المؤقتة، نعيد فيها الحسابات والتوازن بعد إزالة الشوائب من النفس والخاطر.
منطقة «الراحة» جميلة وضرورية للإنسان، وهى إحدى الأدوات لاستمرارية الحياة، فالركض الدائم مرهق، وأيضا النوم الدائم فيها مهلك، وهذا يتطلب منا الموازنة بين الحركة والنشاط والراحة والاسترخاء.
الكثير من المبدعين والمميزين يخوضون بين الفينة والأخرى عزلة اختيارية، لمحاكاة النفس وتحسس جمال الروح، وبينهما تكون المواجهة لتصفية العوائق والشوائب المتراكمة خلال العام أو السنوات.
«العزلة» أو المكوث فى منطقة «الراحة» متشابهان مع الاختلاف فى عمقهما، لكن كلاهما إن طالت مدته أصبح جلادًا على صاحبه، ولكن إن حظيت بتوازن سيكون الإبداع لصاحبها، فكم من مبدع انعزل ليظهر «رواية»، أو متصالح مع نفسه اكتشف ذاته بعد طول غياب، وهناك من اختبأ فى منطقة الراحة ليجدد أفكاره وإبداعاته، ويرتشف من الهدوء قليلا ليملأ قلبه السكون.
المقلق حينما ندخل فى منطقة «الراحة» ثم يستهوينا المكوث بها طويلًا فلا نستطيع العودة، فننزوى ونتقوقع على ذواتنا، حتى نصل إلى العزلة والقطيعة لفترة طويلة، وهنا يصبح الفرد منا غريبا عن ذاته وعن محيطه الذى يعيش فيه، القوة والعزيمة والحياة لن تكون فى فرد قرر العيش للأبد فى منطقة «الراحة»، هنا لن تسمى منطقة «راحة»، بل سجن أبدى، مما يشكل معاناة لصاحبها. البعض يختار ذلك هروبا من تجربة «ما» أو المجتمع، وللأسف ليس حلا ولا منطقيا لطبيعته البشرية، فالإنسان خلق اجتماعيا بطبعه، نفسه تواقة للاجتماع والمخالطة والاحتكاك والحديث والتحدث واللعب والركض والجنون أيضا.
كما نجد من اختار منطقة الراحة الطويلة لا لشىء غير الكسل والاتكالية وعدم تحمل المسئولية، وهذا للأسف ما تعانى منه بعض المجتمعات التى ظلت راكدة لا تتحرك للإبداع أو للتجديد، أجادت فقط النقد والسخرية والانتقاص من قيمة الآخر والرفض لكل جديد، والمجتمعات عندما تنام فى منطقة «الراحة» فترة طويلة أعلم أنها ستنتهى إما فى الجهل أو الزوال.
المكوث فى منطقة «الراحة» فترة طويلة يصنع الجمود، وهو العدو الأول للإنسان، لأنه حتما سيصل إلى مرحلة اليأس والكآبة، لأن الإنسان خلق للعمل وللحركة والتفكر والتدبر، وليس العيش الطويل فى مرحلة الراحة أو العزلة.
يخلط البعض منا فى مفهوم الراحة، حتى تصبح حياته كلها واقفة خالية من الطموح والإبداع والعمل، وعندما تخاطبه ماذا عملت أو ماذا قدمت، سيشرح لك طويلا معاناته وضيق صدره وشعوره بالفراغ والغربة، وما يشعر به هذا طبيعى، لأن نفسه خلقت للإنجاز والعمل والحركة والمشاركة والمخالطة، لا أن تنزوى فى جدرانها المخفية.
جيد أن نستطيع أن نوازن بين حاجتنا كبشر للراحة والهدوء لتغذية النفس والروح والجسد والتقاط الأنفاس، لكن على ألا تطول، وألا نبتعد عن طبيعتنا وإنسانيتنا، ولا نهرب تاركين كل شىء خلفنا ولغيرنا، وإلا تحولنا إلى أدوات جامدة لا روح فيها، بل سنكون عبئا على أنفسنا وعلى الآخرين.

الحياة ــ لندن

التعليقات