مدرسة الطب، لماذا مدرسة الطب؟ لأنها كانت الأكثر فائدة للمصريين من المدارس الأخرى، بعد أن أدخل الطب الحديث عددا كبيرا من الأمراض خاصة العمى، وقد أدرك كلوت بك، وهو طبيب فرنسى التحق بخدمة الجيش الذى أسسه محمد على، والذى رأى أن جنود الجيش يموتون بكثرة بسبب الأمراض وليس بسبب القتل فى المعارك، فأقنع محمد على بتأسيس مدرسة لتخريج الأطباء فكان له ما أراد فى عام 1827م فأسست هذه المدرسة فى أبو زعبل، ثم نقلت إلى قصر العينى فى عام 1837م، اعترضت أنطوان براثيليمى كلوت العديد من الصعوبات كان منها:
- جهل الأساتذة باللغة العربية
- جهل الطلاب باللغات الأجنبية
فكان المترجمون هم الحل، ثم كان تعليم الطلاب اللغة الفرنسية ليتلقوا العلم من الأساتذة مباشرة حلا آخر، ثم كان إدماج المترجمين كطلبة حلا آخر، ولكى يعالج هذه المشاكل أيضا، ألف عددا كبيرا من الكتب ترجمت إلى العربية ومنها:
(العجالة الطبية فيما لابد منه لحكماء الجهادية) ترجمة أوغسطين سكاكينى، طبع فى مطبعة مدرسة الطب فى أبو زعبل فى 22 يوليو 1832م. وهذا الكتاب يؤشر إلى كونه مدخلا لدراسة الطب.
(رسالة فى الطاعون) طبعت فى بولاق 1834 م .
(رسالة فى علاج الطاعون) طبع فى مطبعة الجهادية 1834م. والكتابان طُبعا فى إطار انتشار الطاعون فى مصر فكأن كلوت بك يتجاوب مع متطلبات صحة المصريين.
(مبلغ الجراح فى الجراح) ترجمة يوحنا عنحورى.
(نبذة فى تطعيم الجدرى) ترجمة أحمد حسن الرشيدى 1836م، وهذا الكتاب يؤسس للتطعيم ضد الأمراض الوبائية فى مصر وهو ما نجحت فيه مدرسة الطب الحديث فى قصر العينى.
وترجم إبراهيم النبراوى ثلاثة كتب لكلوت بك وهى: نبذة فى الفلسفة الطبيعية/ نبذة فى التشريح العام/ نبذة فى التشريح المرضى.
تشكلت هيئة للترجمة فى مدرسة الطب لترجمة الكتب إلى العربية، وكان أول كتاب طبى ترجم فى هذه المدرسة هو كتاب (القول الصريح فى علم التشريح)، وهو من تأليف بايل وبه زيادات للدكتور كلوت بك، وقد ترجمه يوحنا عنحورى، وطبع فى مطبعة أبى زعبل سنة 1832م، وعينت طائفة من المصححين والمحررين من شيوخ الأزهر فى مدرسة الطب، وقد استطاع هؤلاء المشايخ بما لهم من معرفة بكتب الطب المؤلفة فى الأزهر من أن يمدوا الترجمات بالمصطلحات الطبية المتوفرة فى المصادر العربية، فعلى سبيل المثال ألف الشيخ أحمد بن عبدالمنعم الدمنهورى كتابا فى الطب فى أواخر القرن 18 م، كما ألف الشيخ حسن العطار كتبا فى الطب فى بدايات القرن 19 م، كان للأزهريين فضل فى تقويم أسلوب الترجمة العربى وتصحيحيه والبعد به ــ على قدر استطاعتهم وعلمهم ــ عما يشوبه من لكنة وعجمة وركاكة، أما المصطلحات الطبية الجديدة فقد اجتهدت الهيئتان معا فى ترجمتها أو وضع مصطلحات جديدة تؤدى معناها، مما راكم قاموسًا من ستة آلاف كلمة. وقد تناول الدكتور جمال الشيال أستاذ التاريخ المرموق فى كتابه «عن الحركة الثقافية والترجمة فى عصر أسرة محمد على» - بالتفصيل حركة الترجمة فى طب قصر العينى.
أحمد حسن الرشيدى
كان واحدا من مشايخ الأزهر الذين عينوا مصححين ومحررين للكتب التى تترجم بمدرسة الطب، وقد اشترك مع الشيخ محمد الهراوى فى مراجعة وتصحيح الكتب ومنها (القول الصريح فى علم التشريح) من تأليف كلوت بك وترجمة عنحورى، وكان كلوت بك ألزم المترجمين والمصححين بأن يحضروا دروس الطب بالمدرسة، ليلموا بمبادئه ومصطلحاته، وابتعث إلى فرنسا، ثم عاد سنة 1838م فألُحق بمدرسة الطب، وكانت له جهود محمودة فى التدريس والترجمة، وقد كان لعلم أحمد الرشيدى الواسع باللغة العربية، وإتقانه لها منذ كان طالبا بالأزهر فضل فى أن خرجت ترجماته أقرب ما تكون إلى الصحة، بل لاحظ الدكتور جمال الشيال أن كتبه ــ دون كتب زملائه ــ كانت تقدم إلى المطبعة دون أن تمر على المصححين أو يقوم مراجعون بمراجعة الترجمة، ترجم الرشيدى سبعة كتب فى الطب على مدى عشر سنوات: 1252 ــ 1262 هـ، عدا كتاب واحد فى علم الجغرافيا منها:
- «بهجة الرؤساء فى أمراض النساء»، طبع فى بولاق سنة 1260 هـ.
- «نزهة الإقبال فى مداوة الأطفال»، طبع فى بولاق سنة 1261 هـ.
- «الروضة البهية فى مداواة الأمراض الجلدية» (فى جزءين) طبع فى بولاق سنة 1262 هـ.
كان لتراكم خبرته أثر فى تأليفه كتاب (عمدة المحتاج لعلمى الأدوية والعلاج) فى أربعة أجزاء، وكان كتب فى مقدمة ترجمة كتاب (دراسة فى أمراض العيون) لسير وليم لورانس الذى صدرت ترجمته عام 1833م، ترجم الكتاب بعنوان (ضياء النيرين فى مداوة العينين) مقدمة أشاد فيها بجهود محمد على فى توطيد هذه المهنة فى مصر.
الدكتور برون
النموذج الثانى الذى يمكن الإشارة له فى إطار توطيد العلوم الطبية فى مصر الدكتور برون، وهو طبيب وكيميائى فرنسى أجاد اللغة العربية، فقد ترجم إلى العربية ومن وإلى الفرنسية، عنى برون كمؤلف بالمادتين اللتين كان يدرسهما، وهما الكيمياء والطبيعة، فوضع فيهما كتابين كبيرين ترجما إلى العربية، أما الكتاب الأول فهو (الجواهر السنية فى الأعمال الكيماوية) ألفه برون وألقاه على تلامذته، ثم طوره لاحقا وقام بترجمته بنفسه، وأشرف على مراجعته الشيخ محمد الهراوى والشيخ محمد عمر التونسى، وساعده فى الترجمة تلميذاه درويش زيدان وحسين غانم الرشيدى، فالكتاب ضخم من ثلاثة أجزاء، وبالجزء الأخير ذيل فى 119 صفحة به شرح للآلات الواردة فى الكتاب، تعود أهمية الكتاب إلى أن برون وتلاميذه ومصححوا الكتاب وفقوا فى ترجمة أسماء كثير من هذه الآلات، والتى لا تزال تستخدم ــ حتى الآن ــ فى كتب الكيمياء الحديثة والطب مثل: الأنبوبة، الأنبيق البودقة، الجفنة، جهاز تعيين الوزن النوعى للهواء والغازات، الدورق، المنبار، المرشح.
أما الكتاب الثانى فقد سماه برون (الأزهار البديعة فى علم الطبيعة) وقال فى مقدمته: (ثم إنى لفهمى بعض الألفاظ العربية تجنبت من الألفاظ الفرنسية ما يعسر ترجمته إلى العربية، وهذا وقد رتبت هذا الكتاب على جزأين، أولهما فى العلوم الطبيعية وثانيهما فى الكائنات الجوية...) ترجم هذا الكتاب يوحنا عنحورى، وأشرف على مراجعته وتحريره الشيخ محمد الهوارى، وطبع منه ألف نسخة فى مطبعة بولاق سنة 1245هـ، وزاد عليه الإقبال وانتشر لأنه كان أول كتاب فى العربية فى الطبيعيات، وأعيد طبعه عدة مرات فى مطبعة بولاق.
إن جهود مدرسة الطب اقتضت إعداد قاموس طبى، وقد بدأت مدرسة الطب بترجمة قاموس صغير من تأليف نايستن، ولكنه لم يفِ بالغرض، فأحضر كلوت بك من فرنسا (قاموس القواميس الطبية) تأليف أبير وهو فى 8 أجزاء ويشتمل على جميع الاصطلاحات العلمية والفنية فى الطب، والحيوان، والنبات، والعلوم الأخرى المختلفة المتصلة بالعلوم الطبية.
وتعاونت مدرسة الطب بكامل هيئاتها على ترجمة هذا القاموس فوزعه ناظر المدرسة آنذاك، وهو الدكتور برون على مهرة معلميها وهم: حضرة إبراهيم أفندى النبراوى معلم الجراحة، وحضرة محمد على أفندى معلم الجراحة الصغرى، وحضرة محمد شافعى أفندى النحراوى معلم التشريح العام، وحضرة أحمد أفندى الرشيدى معلم الطبيعة، وحسين أفندى غانم الرشيدى معلم الأقرباذين، وحضرة مصطفى أفندى السبكى معلم أمراض العين، فترجم كل منهم الجزء الذى أعطيه، وأعد القاموس للنشر تحت عنوان: (الشذور الذهبية فى المصطلحات الطبية) لم يكتفِ الدكتور برون بذلك بل أراد القاموس الجديد جامعا أيضا للألفاظ والمصطلحات الطبية القديمة، فأتى بالقاموس المحيط ووزعه على أفراد هذه الهيئة، وأشرك معهم مصححى المدرسة الشيخ محمد عمر التونسى، والشيخ سالم عمر القينانى، ولا شيخ على العدوى، وأمر كل منهم أن يراجع الجزء الذى بيده، وينتقى منه، كل لفظ دال على مرض أو عرض، وكل اسم نبات أو معدن أو حيان أو حيوان، ولم يقتنع برون بهذا أيضا، يقول الشيخ التونسى (ثم خصنى الناظر المذكور باستخراج ما فى القانون من التعاريف، وما فى تذكرة داود من كل معنى لطيف، وزدت على ذلك ما فى فقه اللغة ومختار الصحاح، وما فى الهروى من التعاريف الصحاح، وضممت لذلك أسماء الأطباء المشهورين، وأسماء عقاقير...) ولما تمت الجهود جميعا، عهد بهذا القاموس الجديد إلى الشيخ التونسى، فرتب الألفاظ والمصطلحات على حروف المعجم، وراجعه مراجعة دقيقة، ولما انتهى قابله معه وكيل مدرسة الطب. وسماه التونسى (الشذور الذهبية فى المصطلحات الطبية) ولم يقصره على الألفاظ العربية، بل ضمنه أسماء لاتينية، وأخرى فرنسية، وأخرى فارسية، سواء استعملتها العرب أو كانت محدثة ودخلت فى الألفاظ الطبية لأدنى سبب.
مات محمد على، وخمدت نار العلم نسبيا، وخشى كلوت بك أن يضيع القاموس فاصطحبه معه لباريس فى سبتمبر 1851م وقدمه هدية للمكتبة الوطنية الفرنسية، وفى بدايات القرن العشرين الميلادى أحضرت منه نسختين لدار الكتب المصرية، وعهد إلى الدكتور أحمد عيسى، فنشر منه مائة صفحة، وأعاد فى إطار جهد إضافى ترجمة كل لفظ من ألفاظ القاموس إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ونشره جامعا لهذه اللغات فى سنة 1914م، حيث طبعته دار الكتب المصرية فى مطبعة المقتطف.
~1.jpg)
 (1).jpg)
.jpg)