عاش الفلسطينيون فى عام 2022 أياما صعبة، ومروا بأحداث سياسية واقتصادية وأمنية أكثر صعوبة، فإضافة لنيران الاحتلال التى تستهدف الطفل والشيخ والمرأة العجوز، قبل الشاب والفتاة، استمرت الخلافات بين الفصائل على الرغم من الحديث المتكرر عن وحدة الصف، فى وقت دفع فيه أبناء الضفة الغربية وغزة فاتورة باهظة لتحمل أزمة اقتصادية خانقة، وسط تجاهل عربى ودولى لمعاناتهم اليومية مع آلة القمع الإسرائيلية.
لكن يبدو أن العام الجديد سيكون «أسوأ من العام الذى سبقه»، بتعبير رئيس الوزراء الفلسطينى محمد اشتية، على صعيد الاعتداءت الإسرائيلية التى تستهدف حياة الفلسطينيين، بعد استشهاد 13 فلسطينيا خلال أسبوعين فقط من شهر يناير الحالى، مع تواصل عمليات الاقتحام شبه اليومية للمسجد الأقصى من قبل المستوطنين، وغلاة المتطرفين فى حكومة نتنياهو، وفى مقدمتهم وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير الذى لا يكف عن التهديد بالعودة إلى ساحات المسجد الأقصى كلما أراد.
تواطؤ الحكومة الإسرائيلية مع غلاة الصهاينة ساعدهم على الاقتحامات المتواصلة للمسجد الأقصى المبارك، بل وفتح لهم بابا للمطالبة بالمزيد من التسهيلات كالسماح بكامل الصلوات والطقوس التوراتية فى المسجد الأقصى، ورفع الحظر على إدخال الرموز الدينية اليهودية كالشال والقبعة ولفائف التوراة والأبواق بأنواعها. كما وصل الأمر إلى مطالبة محامى ما يسمى الحاخامية المركزية بتحديد موقع لكنيس يهودى داخل المسجد الأقصى، وعدم إغلاق المسجد أمام اليهود فى أى مناسبة إسلامية.
تكثيف الاستهداف الإسرائيلى للمواطنين الفلسطينيين سواء بالقتل، أو بالتعديل على الأماكن الدينية المقدسة، لا يمكن عزله عن الضغوط التى تتعرض لها الحكومة اليمنية الإسرائيلية بقيادة نتنياهو الذى يواجه انتقادات واسعة ومظاهرات ضخمة على خلفية خطة لإجراء تغييرات فى المنظومة القضائية، وهو الذى يُحاكم بتهم فساد فى سلسلة من القضايا، فى محاولة لإيجاد طوق نجاة من تلك الاتهامات.
التصعيد الدموى لقوات الاحتلال الذى حصد أرواح ودماء 13 فلسطينيا بينهم 3 أطفال، دفع الفلسطينيين إلى الدعوة لحمايتهم، ومطالبة المجتمع الدولى والإدارة الأمريكية بممارسة ضغط حقيقى على دولة الاحتلال لوقف حملتها العنصرية، فيما دعت الخارجية الفلسطينية المحكمة الجنائية الدولية لسرعة الانتهاء من تحقيقاتها، وصولا «لمحاسبة دولة الاحتلال ومرتكبى الجرائم».
قطاع كبير من الفلسطينيين لا يزال يعول على دور عربى أكثر فاعلية، يمكن أن يكون وسيلة للضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف هذه الحملة الشرسة التى ينفذها المستوطنون وقوات الاحتلال سواء بسواء، فى ظل تشعب علاقات تل أبيب بالعديد من العواصم العربية، وهو تعويل فى ظنى سيطول انتظاره، مع انشغال تلك العواصم بقضايا محلية وإقليمية، على حساب الاهتمام بالقضية الفلسطينية التى يكتفى المسئولون العرب بوصفها بـ«المركزية».
أما القطاع الآخر من الفلسطينيين الذى يظنون فى المجتمع الدولى خيرا، فهؤلاء جاءهم الرد المعتاد من الاتحاد الأوروبى الذى عبر وزير خارجيته جوزيف بوريل عن قلقه من العدد الكبير للشهداء الفلسطينيين فى الأشهر الأخيرة، مطالبا حكومة نتنياهو بطرح أفق سياسى لحل الصراع «الإسرائيلى ــ الفلسطينى» وأن تمتنع عن تنفيذ خطوات أحادية الجانب(!)، وهو كلام معاد ومكرر ولم يعد يسمن ولا يغنى من جوع، فهو أشبه بذر للرماد فى العيون حتى تهدأ بعض الخواطر العربية الغاضبة.
فى ظل هذه المعطيات ليس أمام الفلسطينيين سوى الاعتماد على أنفسهم فى الذود عن حقوقهم والدفاع عن مقدساتهم، والبداية مع اعتراف الفصائل المتصارعة على مقاعد ومكاسب زائلة، بمسئوليتها عن الحال التى وصل إليها شعبهم، ما يستدعى تحركا جديا وصادقا لإنهاء الانقسام، قبل مطالبة الخارج العربى والدولى بمناصرة قضيتهم.. «فما حك جلدك مثل ظفرك»، على حد قول المثل الشهير.