نشر موقع «Eurasia Review» مقالا للباحث «يوسى ميكلبيرج» عن صفقة القرن وما يوجد حولها من غموض وتناقضات. فيوضح كيف أن موقف الولايات المتحدة الفعلى وما تتخذه من قرارات وسياسات يختلف مع ما تنادى به من الوصول لصفقة فى عام 2019 تمثل نهاية للصراع العربى الإسرائيلى.
لم يقم الكثيرون بحبس أنفاسهم عندما أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أنه سيكون مفجر «صفقة القرن» بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فى ذلك الوقت، لم يكن من المعروف ما الذى ستتضمنه هذه الصفقة. ولكن الآن، بعد عامين، مازالت لا توجد هناك خطة، فقط إشارات غير واضحة عما قد يستلزم لعقد الصفقة وتلميحات حول محتوياتها ومتى سيتم الإعلان عنها.
فبدلا من خطة مدروسة تضمن الالتزام بالحد الأدنى لمتطلبات كلا الجانبين، يتم تقديم خطة سلام ــ التى كانت واحدة من أطول الخطط تدريجيا ــ لا تعتبر حتى نصف ناضجة. والأسوأ من ذلك، ما أصبح واضحا الآن هو أن الخطة، على هذا النحو، غير موجودة، وما تقترحه واشنطن هو أمر مخادع وليس هناك فرصة أن يتم الاعتراف به من قبل أى فلسطينى يطمح إلى دولة مستقلة قادرة على البقاء.
ويضيف الكاتب أنه بالتأكيد لا أحد يعلم ما هى الورقة الرابحة من قبل الإدارات الأمريكية التى سيتم طرحها على الطاولة. على سبيل المثال، ما قاله جاريد كوشنير، صهر ترامب وكبير مستشاريه، لسكاى نيوز العربية غير واضح ويرمز إلى النقيض، فما قاله على سبيل المثال، هو أننا «نحاول التوصل إلى حلول واقعية مناسبة لعام 2019»، وأن الخطة ستتناول جميع القضايا الأساسية للصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى، بما فى ذلك الحدود. هذه ليست خطة لجلب أى من الطرفين إلى طاولة المفاوضات، خاصة الفلسطينيين، الذين سئموا من الوعود الفارغة ولا يوجد لديهم أدنى ثقة فى الولايات المتحدة كوسيط فى حل الصراع، إلى جانب عدم مصداقيتها.
***
لقد اعتدنا جميعا الآن على حقيقة أنه منذ تولى ترامب الرئاسة، فإن نهج واشنطن فى السياسة الخارجية لم يسبق له مثيل من حيث الجوهر والأسلوب. ولكن مع الوقت، توضح السياسات المجنونة التى تتبعها إدارة ترامب فى التعامل مع الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى. فهى لا تسعى إلى معاهدة سلام، بل من المرجح أن هذه السياسات ستؤدى إلى المزيد من إراقة الدماء. إنها سياسة تسير فى الاتجاه المعاكس، وعندما يتم طرحها فى الأخير، ستصبح أمرا واقعيا بسبب الظروف الموجودة على أرض الواقع. وبالنسبة إلى اثنين من أكثر القضايا الجوهرية ــ مستقبل القدس واللاجئين الفلسطينيين ــ فواشنطن بالفعل متحيزة ضد أى مفاوضات مستقبلية، والذى سينتج عنه أضرار جسيمة من الممكن ألا يصعب إصلاحها.
كلتا القضيتين أثبتتا صعوبتهما فى الماضى، فدائما ما كانت المفاوضات بشأنهما تنتهى إلى طريق مسدودة متسببة فى المزيد من الخلاف. ومع ذلك، منذ 25 عاما، تعالج مجموعات السياسيين والخبراء والمحامين الدوليين ومنظمات المجتمع المدنى هاتين المسألتين وتوصلوا إلى حلول إبداعية ومبتكرة فى مواجهة التحديات المعقدة التى تفرضها. ولكن حينما تظهر الحاجة إلى منهج دبلوماسى دقيق وهادئ، فإن إدارة ترامب تتحرك وكأنها ثور فى متجر صينى غير مراعية لجميع الحساسيات التى يتضمنها هذا الصراع.
الأمر بدأ بقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والذى أشار إلى الخطوات الأحادية التى تتبعها هذه الإدارة وتحيزها الواضح إلى الجانب الإسرائيلى، وازدرائها التام للمصالح والحساسيات الفلسطينية. هذا لا يعنى أن القدس لا يمكن أن تكون عاصمة لإسرائيل وموقع جميع السفارات الأجنبية ولكن هذا لابد أن يتحقق فقط عندما يتم الاعتراف بجزء من المدينة فى نفس الوقت كعاصمة لدولة فلسطينية مستقلة.
ثانيا، إذا لم يكن نقل السفارة إلى القدس كافيا، فأعقب هذا القرار الأسبوع الماضى إغلاق القنصلية الأمريكية العامة، والتى كانت تعمل كسفارة فلسطينية فعلية تغطى شئون الفلسطينيين. وما ساء من الأمر، هو إدماج القنصلية فى السفارة الجديدة فى القدس. والسبب الرسمى وراء ذلك كان بهدف زيادة الكفاءة وخفض التكاليف. وكما يقول الأمريكيون حول هذه التصريحات المزدوجة: «إذا كنت تصدق هذا، فأنا لدى مستنقعات أبيعك إياها فى فلوريدا». إنه بيان سياسى صادر عن الولايات المتحدة حول واحدة من أكثر القضايا الأساسية تعقيدا، والتى يدعى كوشنر أنها مفتوحة للتفاوض. ويصبح من تمام الوضوح أن السياسات الأمريكية تجاه القدس تم ربطها بالحكومة الإسرائيلية، على أن تكون القدس هى العاصمة الأبدية والموحدة للدولة اليهودية فقط.
***
ولم تتوقف محاولات تقويض عملية السلام إلى هذا الحد. فكان القرار المتعلق بالقدس مجرد واحد من سلسلة من الإجراءات التى اتخذتها واشنطن والتى أعطت إشارة إلى الفلسطينيين أن المفاوضات تعنى الانصياع إلى المطالب الإسرائيلية المنقولة إليهم من خلال العاصمة الأمريكية. إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، والذى ترك السلطة الفلسطينية دون تمثيل دبلوماسى هناك وأنهى قناة اتصال رئيسية مع الولايات المتحدة؛ مع قطع المساعدات المالية عن المستشفيات فى القدس الشرقية؛ والتشريعات الغامضة التى توقف جميع الأموال للسلطة الفلسطينية. كل هذه الأفعال تشير إلى نفس الاتجاه وهو محاولة إرغام الفلسطينيين إلى قبول أيا ما يتم طرحه إليهم.
وما يعتبر أيضا ضارا لإتمام أى عملية سلام ناجحة هو موقف إدارة ترامب تجاه اللاجئين الفلسطينيين. فقد قامت بالتشكيك فى وضع ما يقرب من 5.5 مليون لاجئ مسجلين لدى الأونروا، لأنهم «فقط» ينحدرون من سلالة اللاجئين الأصليين. ووصل الأمر إلى قطع كل دعمها المالى لهذه المؤسسة التابعة إلى الأمم المتحدة، والتى تنظر فى الاحتياجات الرئيسية للاجئين. وبدون وجود تفاوض أو تفسير معقول، تم إبعاد قضية تمثل جوهر لهذا الصراع ــ والتى تعتبر سياسية وإنسانية على حد سواء ــ كما لو كانت غير موجودة.
ختاما، يقول الكاتب أن كل ما تبقى هو الفكرة الغامضة المتمثلة فى «السلام الاقتصادى». وهو ما يطالب الفلسطينيين بالتخلى عن تطلعاتهم الوطنية فى مقابل تحسين الظروف الاقتصادية. ولا يستطيع ولا ينبغى على أى قائد فلسطينى قبول هذا؛ ولكن إذا حدث ذلك، فقط سيكون من أجل البقاء فى السلطة.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى: من هنا