فى أيلول/سبتمبر 2013 استضاف فلاديمير بوتين قمة الدول العشرين فى سانت بترسبورغ. حدث ذلك بعد أيام قليلة من تخلى الرئيس أوباما عن مهاجمة سورية، بعد أن استخدم الأسد مرة أخرى سلاحا كيميائيا ضد أبناء شعبه. واختلف بوتين مع أوباما فى كل الموضوعات وأيضا بالنسبة إلى المشكلة السورية. وبعد مرور سنتين على ذلك (فى أيلول/سبتمبر 2015) وفى أعقاب الفراغ الأمريكى فى الشرق الأوسط، أعاد بوتين روسيا إلى سورية بأحجام لم نشهدها منذ الحرب الباردة.
بعد مرور أقل من 100 يوم على وجوده فى البيت الأبيض قام ترامب بتغيير المعادلة. والغريب أن الروس مستعدون للإصغاء، على الرغم من قولهم أنه منذ تسلّم ترامب لمنصبه تدهورت العلاقات. لكن أمريكا تتحدث بقوة وتردّ باللغة نفسها.
تحبّ وسائل الإعلام الأمريكية الحديث عن «العلاقات الممنوعة»، كما يبدو، بين إدارة ترامب وروسيا بوتين. بعد الهجوم الأمريكى على سورية يتّضح أن إدارة أوباما تحديدا كانت بحاجة أكثر إلى الروس سنة 2013 للتوصل إلى اتفاق نووى مع إيران (الذى بالنسبة لأوباما كان الأمر الأكثر أهمية إلى إرثه، وأهم بكثير من التدخل فى سورية).
ويبدو أن ترامب، الذى ورث من أوباما الروس فى سورية، لم يتردد فى مواجهتهم. لكن على الرغم من التردّى الشديد الذى وصلت إليه العلاقات بين الدولتين العظميين قبل أسبوع، فإنهما لا تزالان مصرَّتين على محاربة الإرهاب، وتؤيدان تحقيقا تقوم به الأمم المتحدة لكشف ما حدث فى جنوب إدلب قبل أسبوع. إن الولايات المتحدة وروسيا تمران فى أزمة، لكن بالتأكيد ليست هناك حرب عالمية ثالثة.
يبدو من تصريحات وزيرى الخارجية الروسى والأمريكى أن للدولتين العظميين لغة خاصة بهما. وعندما تعود واشنطن للتحدث مثل دولة عظمى، لا يوجد خيار أمام روسيا سوى أن تتعامل معها بجدّية، على الرغم من أن بوتين ترك تيلرسون ينتظر متوترا (نحو ساعتين) حتى قرر استقباله والاجتماع به.
وعلى الرغم من كل ما قيل عن التوتر بين روسيا والولايات المتحدة، يجب أن نتذكر أن العلاقات بين الدول العظمى تختلف عن العلاقات الدولية الأخرى، فالتوتر مع واشنطن له حسنات فى نظر الروس: فقد بذل الكرملين بالأمس كل ما فى استطاعته كى يمنح اجتماع وزير الخارجية الأمريكى تيلرسون مع نظيرة الروسى لافروف، وخاصة الاجتماع مع بوتين، المكانة التى تليق بدولتين عظميين تديران العالم. وبالنسبة للروس هذا هو إنجاز الاجتماع. ويجب الاعتراف بأن الأزمة تلائم الطرفين: فهى تبعد ترامب على الأقل ظاهريا عن روسيا، وتقوى بوتين بصفته من وقف بحزم فى مواجهة الولايات المتحدة.
وبخلاف ما يُعتقد، فقد فكر ترامب بصورة استراتيجية عندما أمر بمهاجمة مطار سورى بالقرب من حمص انطلقت منه على ما يبدو طائرات نظام الأسد لدى قيامها بهجوم كيميائى ضد سكان خان شيخون. وكان هدف الهجوم فى سورية إرسال رسالة استراتيجية وليس التأثير على الأسد فقط. لقد أراد ترامب إرسال رسالة إلى الأسد وإيران وكوريا الشمالية وأيضا إلى روسيا، وإلى كل من يفكر فى التعامل مع الولايات المتحدة.
لقد فهم ترامب ما لم يفهمه الرئيس الذى سبقه: فهو لا يستطيع التخلص من مهمة شرطى العالم وشريف الدول المجاورة، وذلك بخلاف أوباما الذى اعتقد، أو أمل، أن فى الإمكان ببساطة تجاهل الساحة أو السماح للآخرين بقيادتها.
لا يتردّد ترامب فى تغيير جلده أيضا إزاء مشكلات قد لا تهمه. ويشكل هذا عامل المفاجأة لديه. يثبت ترامب أن «صاحب البيت قد جُن»، وهذا من دون شك يغيّر قواعد اللعبة.
بوعاز بسموت
محلل سياسي
يسرائيل هَيوم
نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية