عاهدت نفسى ألا أتحدث عن حسنى مبارك وأركان حكمه الآن، باعتبار أن ذلك قد يبدو شماتة، وأنهم فى موقف ضعيف، كما أننى لا أحب أن أجد نفسى فى طابور «الآفاقين» الذين يهاجمون مبارك وعهده بعد ان كانوا يعملون خدما فى بلاطه حتى عصر يوم الجمعة الماضى.
لكن حجم الأكاذيب الذى يتردد كل يوم أقوى من طاقة المرء على الوفاء بوعده.
قبل أيام استمعنا لمبارك فى أحد خطبه الليلية المتأخرة وهو يؤكد أنه لم يكن ينوى ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة، وسمعنا من بعض مساعديه أنه لم يكن موافقا على ترشيح ابنه جمال للانتخابات المقبلة.
وقبل يومين سمعنا المهندس أحمد عز يؤكد لقناة «العربية» أنه كان من أشد المؤيدين لتعدل المادة 77 بحيث لا تزيد مدد تولى الرئيس للحكم أكثر من فترتين. سمعنا وسمعنا وسمعنا.. ويبدو أننا سنسمع الكثير من هذه الأكاذيب فى الأيام والشهور المقبلة.
ليس ذلك مشكلة، فالمجموعة التى أعادتنا عشرات السنين إلى الوراء ودمرت اقتصادنا وأخلاقنا وأحلامنا ليس مفاجئا أن تكذب، لكن المشكلة الأكبر أنهم كانوا ولايزالون يتعاملون معنا باعتبارنا شعبا من الأغبياء.
مبارك كان يعرف ما يقول جيدا ولذلك فالقول الأكثر ارتباطا به هو تصريحه أنه «مستمر فى الحكم طالما كان هناك نفس أو عرق ينبض لديه». قال ذلك لدرجة دفعت كثيرين وقتها أن هذا التصريح لم يكن موجها للمعارضة أو للشعب، بل لابنه شخصيا.. وبالتالى فعدنما يقول فى خطاب تحت ضغط المظاهرات المليونية أنه لم يكن ينوى ترشيح نفسه، فانه لم يكن يضحك أو يخدع أحد سوى نفسه.
نفس الأمر بأنه لم يكن يفكر فى ترشيح ابنه وتوريثه الحكم.. كل الشواهد كانت تشير إلى ذلك، ولو كان فعلا صادقا فى هذه النية، ولم يعلنها فالمعنى الوحيد إما أنه كان يعاند الشعب أو يتعامل معه باعتباره طفلا لم يبلغ سن النظام أو أنه جثة ميتة لا ينبغى اطلاعها على أمر يهمه ويشغله مثل مستقبله او ربما وهذا هو المضحك كان يخدع ابنه بتركه معلقا وعائشا فى الوهم.
لا يختلف الأمر كثيرا مع أحمد عز الذى سيدخل التاريخ باعتباره أحد أهم مسببات تفجر ثورة 25 يناير.. لو صدقنا أحمد عز بأنه كان مع تعديل المادة 77 فإن السبب سيكون فقط كى يتخلى مبارك عن الحكم ويأتى جمال، وربما يأتى هو فيما بعد، أو يصير الجوكر الذى يحرك السياسة المصرية بشخصه وبفلوسه.
لا نريد أن ننشغل كثيرا بآراء ممثلى العهد المخلوع.. نريد منهم أن ينزووا فى ركن قصى، أو يختفوا تماما من المشهد.. احترق حزبهم، ماديا واحترقت شخوصهم معنويا، ليس مطلوبا منهم الكلام الكثير، لأنه يعيد تذكير الشعب بكوارثهم ومصائبهم.
يحسنون صنعا إذا صمتوا، أما إذا أرادوا الكلام فليتهم يخبرونا عن مكان المليارات التى تم نهبها من دم الشعب، وكيفية سرقة أراضى وثروات الدولة.. إذا أرادوا التطهر فليقولوا لنا من الذى ساعدهم، ومن هى الخلايا النائمة التى مكنت لهم ممارسة أكبر عملية نهب منظمة فى تاريخ مصر.
تكلموا عن ذلك فقط.. أو ابتعدوا والتزموا الصمت.