هل نعيش السعادة أم نكتفى بتوثيقها؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:33 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نعيش السعادة أم نكتفى بتوثيقها؟

نشر فى : الأحد 19 يناير 2020 - 8:25 م | آخر تحديث : الأحد 19 يناير 2020 - 8:25 م

نشرت جريدة الرياض السعودية مقالا للكاتب «فاضل العمانى».. جاء فيه ما يلى..

يبدو أن لكل عصر أدواته ووسائله الثقافية التى ترسم ملامح حياة أفراده وجماعاته وتشكل تجاربهم وخبراتهم، ولا شك أن هذا العصر الذى نعيشه هو «عصر الصورة» بامتياز، وتلك حقيقة دامغة لا يمكن القفز حولها أو التقليل من تداعياتها، فالصورة الآن تتصدر المشهد الكونى وتحتل المراكز المتقدمة فى مصادر المعرفة وتكوين الفكر وصياغة الوعى، للأفراد والجماعات.
وأثبتت الدراسات والأبحاث العلمية المرموقة، أن النسبة العظمى من المعارف والثقافات والخبرات التى يكتسبها الإنسان فى الحياة تكون عن طريق حاسة البصر، وهنا تكمن قيمة وأهمية وتأثير وخطورة الصورة فى حياة البشر، وتتقن الصورة تكثيف المحتوى المعرفى للمادة الملتقطة، وتحولها إلى خطاب مرئى موشح بالألوان والتفاصيل والتضاريس والأوصاف الحسية الواضحة.
تلك هى «حكاية الصورة» على مسرح الحياة التى نعيشها بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة. الصورة / الحكاية التى كنا نحرص على التقاطها لتوثيق اللحظات والأحداث والذكريات والمناسبات فى «ألبوم الذاكرة» الذى يزدحم بالألوان والقصص والضحكات والذكريات، ولكن ماذا يحصل الآن؟ لقد أصبحنا مجرد «مادة سخرية» تلتقطها عدسات وسماعات شبكات ووسائل التواصل الاجتماعى، لم تعد للصورة تلك الوظائف والأدوار الجميلة، ولكنها اختزلت فى وظيفة واحدة تكاد تسجن فى كادرها، وهى توثيق اللحظات فى أجهزتنا الذكية فقط، دون أن نستمتع أو نعيش تلك اللحظات والذكريات والمناسبات، فتظهر الصور بعد كل ذلك الزيف والتصنع والتكلف باهتة وجامدة وخالية من الحياة. نحن باختصار نوثق / نصور الحدث ولا نعيشه.
لم نعد نشرب قهوتنا ساخنة كما اعتدنا؛ لأننا انشغلنا بتصويرها، فتبرد من طول الانتظار، وتبرد معها كل المشاعر والأحاسيس وكل الأشياء الجميلة، ولم نعد نقرأ تلك الكتب التى نتباهى باقتنائها، واكتفينا فقط بأخذ لقطات باذخة لأغلفتها وبعض صفحاتها البائسة، ولم نعد نفرح باكتشاف الشوارع والشواطئ والآثار والمتاحف والمسارح فى المدن التى قد نستدين من أجل السفر إليها، ولكننا اكتفينا فقط بـ «سلفى» لملامحها الخارجية المختلطة بوجوهنا الكبيرة التى تحمل تلك النظرات الكاذبة.
لقد تحولت حياتنا إلى صورة، مجرد صورة، ولم نعد نهتم بالتفاصيل الأخرى، الصورة هى محور نقاشاتنا وخلافاتنا، وهى الحكاية التى نتحلق حولها، وهى البضاعة الرائجة التى نحرص على شرائها بأى ثمن، وهى «السعادة المنشودة» التى نبحث عنها.
ما أجمل أن نوثق لحظاتنا الجميلة التى تصنع بهجتنا وسعادتنا، ولكن الأجمل من ذلك هو أن نعيش تفاصيل هذه البهجة والسعادة، فرق كبير بين توثيق اللحظة وبين الاستمتاع بها.

الرياض ــ السعودية

التعليقات