قبل أيام شهد شارع الجيش الممتد بطول ثلاثة كيلومترات بمنطقة حدائق الأهرام فى الجيزة، اقتحام عصابة مسلحة لمحل بيع للمصوغات الذهبية، بينما كان صاحبه، والعاملون معه، منشغلين بالحديث مع اثنين من الزبائن بعد وقت قليل من رفع أذان العشاء.
العملية طبقا لتسجيلات الفيديو الخاصة بالمحل لم تستغرق دقيقتين من الزمن، استطاع خلالها أربعة من الملثمين المسلحين حمل غالبية الذهب على وقع إطلاق الأعيرة النارية التى أصابت ثلاث طلقات منها ابن صاحب المحل الشاب الذى راح يدافع عن ممتلكات الأسرة، قبل أن يفر الجناة هاربين.
هذا الحادث الذى جلب الشرطة بقضها وقضيضها إلى المكان، واستدعى تحقيقات جنائية، وسماع شهود واستجوابا لمن كانوا فى المحل أو خارجه وقت الهجوم، ليس الحدث الأول الذى يقع فى حدائق الأهرام وإن كان الأكثر مأساوية لمنطقة يسكنها نحو مليون مواطن مصرى مغلوبين على أمرهم، ويعانون إهمالا أمنيا وخدميا، بعد أن باتت منطقتهم لقيطة لا يعرف أحد من المسئول عنها إداريا، هل هو جمعية تعمير صحراء الأهرام التى تضم حفنة من مقاولى البناء، أم حى الهرم؟!!
يسترجع قدامى قاطنى حدائق الأهرام كيف كانت المنطقة لحظة تأسيسها، قبل سنوات معدودات، واحة تنعم بالهدوء والسكينة، بينما تجرى عمليات بناء العقارات ذات المواصفات المتميزة شكلا ومضمونا على قدم وساق، جاذبة أبناء الطبقة الوسطى من هواة السكن فى الضواحى بعيدا عن ضوضاء وصخب وسط المدينة، فدفعواعن طيب خاطر تحويشة العمر، وهم يحلمون بجو شبه مثالى للحياة.
هذه الحال سرعان ما تبددت وتحولت إلى كابوس مزعج، بعد أن اتسعت عمليات البناء (أكثر من 6 آلاف عقار حاليا)، مصحوبة بتراخى الدولة، إن لم يكن «طناشها»، عن القيام بواجباتها تجاه جزء من مواطنيها، الحائرين إلى من يلجأون للدفاع عن حقهم فى السكن الآمن، والحياة اللائقة؟!.
ولمن لا يعرفون حدائق الأهرام نقول إنها منطقة مترامية الأطراف يحيطها سور مرتفع ولا يمكن الدخول إليها إلا عبر سبع بوابات يقف عليها ما يشبه الخفراء ممن لا حول لهم ولا قوة يتبعون جمعية تعمير صحراء الأهرام، وهى فى جزء كبير منها تطل على المدخل الجديد للأهرامات على طريق الفيوم، ولا تبعد كثيرا عن المتحف المصرى الكبير قرب ميدان الرماية.
هذا من الخارج، أما فى الداخل حيث تنتصب آلاف العقارات فأنت فى عالم آخر لا تدرى الدولة عنه شيئا إلا أنه مكان مزعج من وقت لآخر لرجال الشرطة الذى يضطرون إلى دخوله للتحقيق فى عملية سطو أو خطف، أو جريمة قتل، وتضمين الواقعة فى ملفاتهم العتيقة.
طالب أهالى المنطقة مئات المرات بإقامة مركز للشرطة يحميهم من سطو البلطجية، والسرقات التى تتم فى وضح النهار، وصرخ الألوف منهم مستغيثين بوزارة الداخلية تارة، وبمحافظة الجيزة تارة أخرى، عل أحدا ينجدهم من براثن افتقاد الأمن، ومئات المحلات المقامة من دون ترخيص والتى باتت مأوى للخارجين على القانون، لكن لا حياة لمن تنادى.
تحولت حدائق الأهرام إلى سقط متاع، ومكان لا تعرف أجهزة الدولة طريقا إليه إلا عند وقوع كارثة، أو ارتكاب جريمة فاضحة، تصل تفاصيلها إلى وسائل الإعلام وتكون مادة ثرية لكاميرات الفضائيات الباحثة عن الإثارة، وتسلية الناس بمآسى بعضهم البعض، ثم بعد ذلك كأن شيئا لم يحدث انتظارا لوقوع كارثة جديدة.
بالأمس القريب شهدت المنطقة وفاة راقصة عربية فى عيادة صحية مخالفة، وجريمة قتل فى شقة مفروشة، واختطاف تلميذ لدفع فدية، واليوم سطو مسلح على محل للذهب لا يعرف أحد إذا كان حاصلا على التراخيص اللازمة أم لا؟، وغدا لا يعرف إلا الله من أين ستأتى الضربة القادمة، بينما أجهزة الدولة الرسمية غائبة عن مشهد ينذر بالكوارث.