يا سادة القناع يخنق.. والنقاب أيضا! - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 4:08 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يا سادة القناع يخنق.. والنقاب أيضا!

نشر فى : الأحد 19 يوليه 2020 - 6:55 م | آخر تحديث : الأحد 19 يوليه 2020 - 6:55 م

مرت فترة طويلة ولم يلتقوا حتى قبل كورونا «الشريرة»، ألم يعد التأريخ للأمور هو ما قبل أو بعد كورونا.. اعتذرت هى عن لقاءاتهن وتجمعاتهن منذ أن تزوجت من ذاك الشاب خريج المدارس الخاصة أيضا والذى تتقارب فيه أسرتها وأسرته فى مستوياتهم المالية والاجتماعية.. عندما اختفت فى المرحلة الأولى من الزواج ضحكن فى جلساتهن الأسبوعية ورددن «هو الحب».. بقيت شلة تلك المدرسة الخاصة «السينيه» تلتقى، فهن ومعهن كثير من الزملاء من «الجنس الآخر» لم يفترقوا لسنوات طويلة حتى فى مواسم الإجازات الصيفية، كن يسافرن إلى بقاع مختلفة للسياحة برفقة أسرهن، وما يلبثن وأن يعودن إلى الساحل أو الجونة.
***
بعد أشهر من زواجها عادت للرد على رسائلهن رغم أنها خرجت من المجموعة المشتركة على الواتس آب، وصارت تعتذر بخجل، وبعد جهود جبارة منهن وافقت على اللقاء على شرط ألا يشارك فيه «الذكور» من الشلة القديمة!!! لم يستطعن فهم هذا الموقف منها ولكنهن وبعد إحساس بالوفاء لرفقة وعشرة السنين حددن الموعد على العشاء فى ذاك المطعم الشهير والفاخر هو الآخر «سينيه»!!!
***
تفاجأن عندما دخلت المطعم وتسمرت أنظارهن عليها، هى لحظات سريعة وغلبتهن مشاعر الشوق لها.. هى سليلة الأسر العريقة وابنة نساء عديدات تسللن لأجيال طويلة فى العائلتين جدتها لأمها وجدتها لأبيها، عماتها وخالاتها.. كلهن بقين قويات لخلفياتهن وعلمهن وربما كثير من نضالات الجدات من أجل حرية ومساواة المرأة فى بلادنا المتشحة بالسواد ودرجة الحرارة تتجاوز الأربعين!!!
***
دخلت بكامل أناقتها كما اعتادوها ولكن بإضافة بسيطة وهى أن لبسها كله «حشمة».. اختفت دهشتهن من التغييرات وكل ما رافقها من هواجس بعد حفلة الأحضان والقبل والدموع (الله يرحم تلك الأيام حتى الحضن أصبح حراما فى زمن الكورونا).. كان عشاء جميلا مع بعض المناوشات منهن بين الضحك والجد وتكرار السؤال «جرا ايه يا..». وهى ترد بخجل أو مواربة حتى قالت «أنا أحبه وهو يحبنى هكذا».. خلاص فهمت الحكاية وتقبلتها الشلة ومضينا فى الحرص على الصداقة والمحبة وكل شيء آخر لا يهم.. هى قشور!!
***
تدريجيا تحولت الملابس المحتشمة إلى حجاب من النوع الذى يتكون من طبقتين ضمانا لعدم «ظهور شعرة واحدة» لتخدش حياء الأعين المتربصة!!! اشتد النقاش بينهن بل احتدم وأحيانا كانت الجلسات الممتعة تنتهى باستئذانها السريع وتحججها بأنه عليها الاستيقاظ مبكرا لأخذ الأولاد للمدرسة أو أو.. وما إن تغادر المكان حتى تدخل الشلة فى حفلة من الغضب لما يجرى لصديقتهن، ليس بفعل الحب كما قالت إحداهن رافضة لتلك «الحجة الباهتة».. وتعمقت الشلة فى التحليل والتدقيق، بل إن إحداهن، تلك المعروفة بشدة فضولها، راحت تتلصص من هنا وهناك لمعرفة أخبار أكثر عن وضع صديقتها مع زوجها.. بالطبع لم تجد أى من محاولاتهن لإقناعها بإضافة بقية الشلة لهذه الجلسات التى بدأت أسبوعية ثم تحولت كل أسبوعين ثم عندما تستطيع.. تباعدت اللقاءات حتى مع الصديقات وفجأة اختفت هى بالكامل وبقيت تتواصل بالرسائل المكتوبة وليست حتى الصوتية.. يمكن صوت المرأة عورة؟ ربما؟!
***
كل ذاك كان قبل الكورونا، وما إن حل الفيروس اللعين حتى تعطلت كل أشكال التواصل وبقى فقط لغة الكلام عبر الأثير!! تجاوبت هى بل وبدت أكثر استعدادا للمبادرة بالاتصال إلخ.. إلخ، حتى جاء ذاك اليوم المشئوم ربما بالنسبة لها.. فكت الحكومات الحصار المفروض وسمحت بالخروج من المنازل مع احترام التباعد الاجتماعى.. قررت الصديقات الالتقاء فى تلك القهوة بالشرفة المفتوحة بذاك المركز التجارى الشهير.. كل الشروط متوافرة، كن قد اتفقن أن يلتقين بكل أفراد الشلة فلم تكن هى ضمن تلك المجموعة على الواتس آب ولم تعرف عن برنامج بل خطة الهروب الأول من البيت إلى الفضاء!!!
***
كانوا جميعا يتسامرون بين فناجين القهوة الكابتشينو واللاتيه بالكراميل حينما دخلت امرأة منتقبة مع رجل ملتحى بسروال قصير، فقد هلّ الصيف بحرارته العالية! لم يكن المشهد مثيرا أو ملفتا للنظر فقد اعتدنا رجالا يستمتعون بـ«البلبطة» فى مياه البحر أو حمامات السباحة وزوجاتهن وبناتهن المنتقبات يجلسن بكامل ملابسهن على حافة الحياة ينتظرن خروج الأطفال من الذكور.. وكأنهن جالسات فى جحيم الحياة!!
***
الملفت أن عينين من خلف النقاب تسمرتا نحوهم وبقيت كذلك حتى كشفت هى عن نفسها، ألا يقولون كاد المريب أن يقول خذوني؟؟ تعرفنا عليها ولم يستطعن مقاومة النهوض ومصافحتها طبعا دون زوجها، وبتلعثم تحدثت عندما ردد هو كم مزعج هذا القناع، يعنى لازم نختنق علشان لا نصاب بالفيروس؟ قالت له تلك الصديقة المشاغبة الحمد لله أنك الآن تستطيع أن تحس مع صديقتنا العزيزة وهى من خلف نقابها تحاول التعايش.. نظر لها بغضب محاولا تفادى الإجابة عليها وقال لزوجته المغطاة بالسواد إن عليهم الذهاب لشراء المايوهات له وللأولاد لأنهم رايحين البحر.. سارت هى بنقابها (قناعها) غير الطبى والدائم من خلفه ومضى هو يلقى باللوم على الكورونا أنها خنقته وعطلت صيفيته فى البحر.. عجبي!

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات