على صفحة المخرجة هالة لطفى على الفيس بوك كتبت مساء الاثنين الماضى تقول:
«وزارة الثقافة...... أعلنت أنها أوقفت أعمالها يومين حدادا على فاتن حمامة.. طيب بعد كده هتعملولها إيه؟ هتكرموها إزاى؟ ناويين على متحف؟ ناويين على دعم مهرجان فاتن حمامة السينمائى الوليد فى المنصورة؟ طيب هترمموا سينما فاتن حمامة المتهالكة فى المنيل؟
لا هناخد إجازة يومين نزعل فيهم على جنب، يعنى بصراحة منطق يعجز العقل عن تفهمه.. مال الحداد بإنكوا تاخدوا إجازة؟ أو تعطلوا أعمال الوزارة اللى ملهاش لازمة أصلا؟».
عندما قرأت كلمات هالة لطفى صاحبة الفيلم المتميز والعميق «الخروج للنهار» ظننت أن حماسها جعلها تفترى على وزارة الثقافة، لكننى فى الصباح وجدت أن الصحف أبرزت قرار الوزارة بإعلان الحداد ووقف الأنشطة والعروض الفنية كافة فى جميع قطاعات الوزارة لمدة يومين.
ظللت وقتا طويلا أحاول فهم الحكمة الكامنة وراء هذا القرار فلم أهتد إلى أى شىء.
المفترض أن وزارة الثقافة حزينة على رحيل سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة شأن غالبية المصريين والعرب ومحبى هذه الفنانة فى كل مكان، والمفترض أكثر أن حزن وزارة الثقافة يفترض أن يكون إيجابيا. بمعنى آخر أنه إذا جاز لأى شخص من أقارب الفنانة أو محبيها أن يحزن ويعتكف فى بيته حزنا على الوفاة، فلا أحد يلومه على ذلك، لكن حزن وزارة الثقافة كان ينبغى ترجمته إلى عمل.
نفهم أن تعلن الوزارة الحداد وتوقف كل مظاهر الفرح والاحتفالات، لكن كيف يمكن فهم وقف الأنشطة الفنية التى هى طبيعة عمل الوزارة مثلما أن إنتاج الملابس أو أى سلعة هو طبيعة عمل المصانع. هل معنى موت أحد رموز الصناعة أن نوقف الإنتاج فى البلد بالكامل؟!!
ما نعلمه أن غالبية الفنانين كانوا يلتزمون ويذهبون إلى أماكن التصوير رغم أن بعض أقاربهم من الدرجة الأولى رحلوا، لسبب بسيط هو أن العمل عمل والحزن حزن، وعندما أعمل فهذا لا يعنى أننى غير حزين على رحيل هذه السيدة المحترمة.
لو طبقنا منهج وزارة الثقافة فى الحزن على فاتن حمامة على كل الرموز الثقافية والفنية والسياسية والاجتماعية فسوف تتوقف الحياة تماما، ويجلس كل الموظفين والعاملين فى بيوتهم حزنا على هذه الرموز.
كيف فاتت كل هذه المعانى عن الذى اتخذ قرار توقف العمل لمدة يومين فى الوزارة؟!
كان ينبغى ــ كما كتبت هالة لطفى بحق ومرارة ــ أن تترجم وزارة الثقافة حزنها إلى أشياء ملموسة مثل إقامة متحف أو دعم مهرجان سينمائى باسمها أو حتى ترميم دار السينما التى تحمل اسمها فى المنيل. النتيجة العملية الوحيدة لقرار وزارة الثقافة هو أن موظفيها أخذوا إجازة يومين!
الخطورة أن هذا التفكير ليس مقصورا على وزارة الثقافة، بل هو منهج عمل فى قطاعات حكومية كثيرة. أى التركيز على القشور دون الاهتمام بالجوهر، الصوت العالى بدلا من العمل الحقيقى المتقن.
سنوات مبارك الكارثية أفسدت كل شىء حتى الطريقة التى يفترض أن نحزن بها على من نحب.
رحم الله الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، وربنا يستر على المستقبل، لأن الظاهر أمامنا هو شيوع منهج الموظفين فى كل شىء من العمل إلى الحزن مع غياب شبه كامل للخيال والمصداقية.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.