بنيامين نتنياهو بات تهديدا وجوديا - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
السبت 22 مارس 2025 1:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

بنيامين نتنياهو بات تهديدا وجوديا

نشر فى : الخميس 20 مارس 2025 - 8:15 م | آخر تحديث : الخميس 20 مارس 2025 - 8:15 م

تظاهر الإسرائيليون فى القدس، يوم الأربعاء الماضى، احتجاجا على إقالة رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك». لا بد من قراءة هذه الجملة، مرارا وتكرارا، لاستيعاب عُمق الفساد الذى تفشى فى الحكم، وحجم فقدان الثقة به، فى دولة لا تزال تتشبث بقوة بآخر ركائز الديمقراطية، قبل أن تهوى إلى الهاوية.
مثلما قلنا مليون مرة سابقا، إن رئيس «الشاباك» هو المسئول الرئيسى عن الكارثة الأسوأ فى تاريخ دولة إسرائيل، لكن هو وإقالته ليسا السبب الحقيقى للاحتجاج. فالصرخة التى انفجرت الأربعاء الماضى، صرخة الغضب والإحباط واليأس، ليست ضد الكارثة السابقة، بل ضد الكارثة القادمة التى نعيش فى خضمها. هذه الكارثة لا تهدد فقط منطقة غلاف غزة، أو مستوطنات الشمال، ولا حياة الأسرى الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولا حتى جثث القتلى الذين ينتظرون دفنهم، بل أيضا هى تهديد وجودى لدولة إسرائيل بأكملها، التى تتسابق على إعادة كتابة ماضيها، ودفن مستقبلها، وتحويل ما كانت عليه، وما كان مقدّرا لها أن تكون، إلى كومة من الأنقاض.
ظاهريا، هذا يبدو كأنه مجرد مشهد آخر من البيروقراطية الشيطانية؛ رئيس حكومة يستخدم سلطته، التى لا يزال يتعيّن التحقق من مدى قانونيتها، على الرغم من أن هذا أقلّ أهمية، لإقالة رئيس الجهاز المكلف بعدة أمور، بينها الحفاظ على الديمقراطية فى إسرائيل. فى ظروف أخرى، كان يجب أن يكون السؤال البديهى: «ما المشكلة فى ذلك؟» الموظف تم تعيينه، ولاحقا، أُقيل. كان يمكن أيضا التساؤل عن التناقض الذى يصعب استيعابه، إذ إن الشاباك والجيش والموساد، وهى مؤسسات مخولة، قانونيا، العمل بأساليب غير ديمقراطية، عنيفة، وأحيانا، غير إنسانية، الآن، هؤلاء هم الذين يمثلون جوهر الديمقراطية، ويحملون لقب «حراس البوابة».
الإجابة عن ذلك هى أن الديمقراطية الإسرائيلية أُجبرت على التحالف مع مؤسساتها غير الديمقراطية، وهذه المرة، ليس لحماية حدود الدولة، أو لإحباط «الإرهاب»، بل لإنقاذ نفسها من أولئك الذين يحفرون فيها ثقوبا متزايدة لزرع متفجرات مدمرة.
من الممكن والضرورى محاسبة رئيس «الشاباك» وقادة الجيش الإسرائيلى، ليس فقط على أحداث السابع من أكتوبر، بل أيضا على قتل الأبرياء، وسوء معاملة المدنيين، والاعتقالات التعسفية، والقصف العشوائى الذى يصل إلى حد جرائم الحرب، لكن فى الوقت نفسه، من الضرورى التذكير بأن وجود ديمقراطية قائمة على القيم الأخلاقية، ترتكز على قوانين ليبرالية، هو الأساس الذى يمكن أن يضمن تقديم مثل هذه المحاسبة.
إن إقالة رئيس «الشاباك» ليست مجرد «إجراء إدارى» برىء، بل تأتى كنتيجة لسياق أوسع أفرزته الكوارث التى سلبت فعلاً مواطنى الدولة من شرطة عادلة وفعالة، وأدخلت المحكمة العليا فى حالة موت سريرى، وأفرزت منظومة قوانين فاشية تسعى لتقليص مساحة حرية الرأى والتعبير والثقافة، بينما تستهدف المعلمين ومديرى المدارس، وتقوّض مبدأ المساواة أمام القانون.
تحت غطاء الحرب، وباستغلال سلسلة من المناورات والأكاذيب الدنيئة التى أوحت بأن رئيس الحكومة «يفعل كل ما فى وسعه» لإعادة المخطوفين، واصل نتنياهو الحفر بعنف تحت أسس الديمقراطية. لكن، بعكس الزلزال الطبيعى، فإن الصدع التكتونى الذى يهدد إسرائيل يمكن إيقافه، ومن الضرورى أن يتم إيقافه فورا.
قبل أن يغرق الجمهور فى مستنقع العجز، كأنه محكوم عليه بقضاء بقية أيامه فيه، عليه أن يتذكر قوته وسلطته ومسئوليته تجاه الدولة. فهذا هو الجمهور نفسه الذى نهض بسرعة، وحشد صفوفه بأعداد كبيرة، وخرج ليملأ الفراغ الذى تركته الحكومة عندما غرقت فى سباتها، وتخلّت عنه، وجلبت له كارثةً مروعة. إنه الجمهور الذى تعهّد لنفسه، قائلاً: «لن يحدث هذا مرة أُخرى»، لكنه يحدث مجددا الآن. إن التهديد الوجودى، مرتدياً بدلة وربطة عنق، ومتحدثا بلغة إنكليزية فصيحة، لا يحتاج إلى تحذير استخباراتى، أو مؤشرات تحذيرية، أو مراقِبات لدقّ ناقوس الخطر. إنه هنا فعلاً، ويهدد بتحقيق نصر كامل على الدولة. وأى احتجاج مهذب لن يكون كافيا، إنها معركة وجود.

تسفى برئيل
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات