دور الحاخامات فى إشعال حرب دينية فى إسرائيل - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:01 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دور الحاخامات فى إشعال حرب دينية فى إسرائيل

نشر فى : الخميس 21 فبراير 2019 - 10:00 ص | آخر تحديث : الخميس 21 فبراير 2019 - 10:03 م

نشر موقع Middle East Eye مقالا للكاتب «Jonathan Cook» حول تنامى دور الحاخامات فى إسرائيل وخطورة هذا الدور على اتخاذ العديد من القرارات السياسية الإسرائيلية.

يبدأ الكاتب حديثه مستنكرا ما يفعله رجال الدين اليهودى فى إسرائيل من حث أتباعهم على أن يكونوا «محاربين»، بمعنى تشجيعهم على قتال أفراد منتمين إلى ديانات أخرى، وهذا بعض النظر عما إذا كانوا أطفالا أو نساء، كما يدعون إلى طرد الطوائف الدينية الأخرى، فضلا عن امتلاك النخبة الدينية اليهودية سلطة كبيرة فيما يتعلق بأمور حياتية لليهوديين مثل الزواج والطلاق، وتكون تلك الأمور لها سند قانوني فيخول لهم سجن أى شخص يحاول الزواج دون موافقتهم.
أى «قيم مشتركة»؟
عندما يسعى أى رجل سياسى فى واشنطن إلى الترشح فى الانتخابات يتحدث دائما عن وجود علاقات وثيقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فضلا عن ادعائه بوجود قيم مشتركة بين البلدين. وفى هذا السياق يقول الكاتب: «ليس لدى فكرة عن أى قيم تمثلها إسرائيل».
يوجد العديد من الأسباب التى تجعل المرء يوجه انتقادات عديدة لإسرائيل بدءا من القمع الوحشى لسلطات الاحتلال تجاه الفلسطينيين مرورا بنظامها القائم على التمييز العنصرى ضد خمس سكانها من غير اليهود ــ «الأقلية الفلسطينية» ــ وصولا إلى ما يتجاهله النقاد فى بعض الأحيان ألا وهو «زيادة النزعة الثيوقراطية فى إسرائيل»، حيث يمارس الحاخامات دورا أكبر يسيطرون فيه على حياة اليهود المتدينين والعلمانيين على حد سواء، وخاصة النساء. وإن هذا الأمر له تداعيات مقلقة على الفلسطينيين، ومن هذه التداعيات: تحول الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى من صراع قومى ذي أصول استعمارية ــ استيطانية إلى حرب دينية يشعلها الحاخامات المتطرفون بمباركة ضمنية من الدولة.


السيطرة على الحياة الشخصية:
على الرغم من أن الآباء المؤسسين لإسرائيل علمانيون فإنه لا يوجد فصل بين الكنيسة والدولة فى إسرائيل. بعد تأسيس دولة إسرائيل، قرر ديفيد بن غوريون ــ أول رئيس وزراء إسرائيلى ــ إخضاع نواح مهمة من حياة اليهود الإسرائيليين إلى ولاية حاخامية أرثوذكسية، والتى تمثل تيار أكثر تشددا وأكثر تقليدية وأكثر محافظة فى التيارات اليهودية. كما أن هناك تيارات أخرى أكثر ليبرالية ولكن ليس لها مكانة رسمية فى إسرائيل حتى يومنا هذا.
لقد عكس قرار بن غوريون جزئيا الرغبة فى ضمان اعتراف دولته الجديدة بنوعين مختلفين من اليهود: يهود علمانيون واليهود المتدينون أو المحافظون، وأعرب عن أمله فى دمج هذين النوعين فى فكرة جديدة ألا وهى «القومية اليهودية».
ولهذا السبب، تم منح الحاخامات الأرثوذكس سيطرة حصرية على أجزاء مهمة من المجال العام ــ مسائل الأحوال الشخصية، مثل المواليد والوفيات والزواج.

مبررات الكتاب المقدس
كان دعم قوة الحاخامات هو الحاجة الملحة لقادة إسرائيل العلمانيين لإخفاء أصول الدولة الاستعمارية ــ الاستيطانية. ويمكن تحقيق ذلك باستخدام التعليم للتأكيد على تبريرات الكتاب المقدس فيما يخص اغتصاب اليهود لأراضى السكان الفلسطينيين الأصليين.
وفى هذا السياق لاحظ الناشط فى مجال السلام الراحل «أورى أفنيرى»، أن الزعم الصهيونى «كان مستندا إلى تاريخ الكتاب المقدس فى الهجرة، وغزو كنعان، وممالك شاول، وديفيد وسليمان... المدارس الإسرائيلية تعلم الكتاب المقدس كتاريخ حقيقى».
وقد ساهم هذا التلقين، إلى جانب زيادة معدلات المواليد بين اليهود المتدينين، فى زيادة أعداد الأفراد المتدينين والذين يشكلون ــ الآن ــ نصف عدد السكان.
واليوم، ينتمى ربع اليهود الإسرائيليين إلى التيار الأرثوذكسى، الذى يقرأ التوراة حرفيا، وواحد من كل سبعة أشخاص ينتمون إلى الأرثوذكس المتطرفين، أو الحريديم، وهم أكثر التيارات اليهودية المتشددة. وتشير التوقعات إلى أنه فى غضون 40 سنة، سيشكل هذا الأخير ثلث السكان اليهود فى الدولة.

قهر الحكومة
تم تسليط الضوء على تنامى تطرف الأرثوذكسيين فى إسرائيل، فى الأسبوع الأخير من شهر يناير، عندما قام أحد حاخاماتهم الأكثر نفوذا «شموئيل إلياهو» بشكل علنى بالدفاع عن خمسة طلاب متهمين بقتل «عائشة رابى» وهى أم فلسطينية لثمانية أطفال.
إلياهو هو ابن حاخام كبير سابق لإسرائيل «مردخاى إلياهو»، وهو رئيس الحاخامية، التى تسيطر على العديد من مجالات الحياة للإسرائيليين. وهو أيضا حاخام مدينة صفد، وهى المدينة التى لها أهمية كبرى فى اليهودية والتى تعتبر نفس منزلة «المدينة المنورة» فى الإسلام أو «بيت لحم» فى المسيحية، لذلك تحمل كلماته قدرا كبيرا من الثقل مع اليهود الأرثوذكس.
فى وقت سابق من هذا الشهر، ظهر شريط فيديو يسلط الضوء على حديث دار فى المعهد الدينى حيث درس المتهمون الخمسة، فى مستوطنة رحليم، جنوب نابلس؛ حيث أشاد إلياهو بالمتهمين الخمسة ووصفهم بـ «المحاربين»، فضلا عن تشجيع الطلاب على الإطاحة بنظام المحاكم العلمانية «الفاسد»، كما أخبرهم أنه من الضرورى «غزو الحكومة» ليس من خلال استخدام أسلحة أو دبابات وإنما من خلال الحصول على مناصب رئيسية فى الدولة.

القضاة
فى الحقيقة، إن هذه العملية متقدمة بالفعل..
وزيرة القضاء «إيليت شاكيد» التى كانت من المفترض أن تكون أول من يستنكر تصريحات «إلياهو» إلا أنها انحازت بشكل كبير إلى المستوطنين المتدينين. وحافظت هى ووزراء آخرون على الصمت؛ ذلك لأن الممثلين السياسيين للجاليات اليهودية الدينية الإسرائيلية، بما فى ذلك المستوطنون، أصبحوا الآن محور الحكومة الائتلافية الإسرائيلية. فهم صانعو الحكام، كما يمكنهم الحصول على تنازلات هائلة من الأحزاب الأخرى.
لبعض الوقت، استخدمت «شاكيد» موقفها لجلب المزيد من القضاة الوطنيين والدينيين بشكل علنى إلى النظام القانونى، بما فى ذلك إلى أكبر محكمة فى البلاد وهى «المحكمة العليا».
ومن الجدير بالذكر أن هناك قاضيين من بين 15 قاضيا فى المحكمة العليا يعيشان بشكل علنى فى مستوطنات الضفة الغربية، وهما نوام سوهلبرغ وديفيد مينتز. وهناك عدد آخر من القضاة المعينين من قبل «شاكيد» من المتدينين والمحافظين.
ويبدو أن هذا انتصار كبير للأرثوذكس والمستوطنين. المحكمة هى خط الدفاع الأخير للعلمانيين ضد الاعتداء على حرياتهم الدينية وعلى المساواة بين الجنسين. وتقدم المحكمة الملاذ الوحيد للفلسطينيين الذين يسعون إلى التخفيف من أسوأ التجاوزات فى السياسات العنيفة والتمييزية للحكومة الإسرائيلية والجيش والمستوطنين.

اختيار الأفراد
كان وزير التربية «نفتالى بينيت»، وهو منظر آخر للحركة الاستيطانية، وزيرا فى حكومة نتنياهو لمدة أربع سنوات. لقد كان هذا المنصب منذ فترة طويلة يمثل حرجا للأرثوذكس لأنه يشكل الجيل القادم لإسرائيل.
بعد عقود من التنازلات للحاخامين، أصبح النظام المدرسى فى إسرائيل منحرفا بشكل كبير تجاه الدين. أظهر استطلاع للرأى عام 2016 أن 51 فى المائة من التلاميذ اليهود التحقوا بمدارس دينية قائمة على الفصل بين الجنسين، مما يؤكد على العقيدة التوراتية. وفى استطلاع للرأى جرى حديثا أسفر عن وجود 51٪ يعتقدون أن اليهود يتمتعون بحق إلهى فى أرض إسرائيل، وأن هناك 56٪ يعتقدون أن اليهود هم «شعب الله المختار».
ومن المرجح أن تزداد هذه النتائج سوءا فى السنوات القادمة. كان «بينيت» يضع وزنا أكبر بكثير فى المناهج الدراسية المتعلقة بالهوية القومية اليهودية، ودراسات الكتاب المقدس والمطالبات الدينية بإقامة إسرائيل الكبرى والتى تضم الأراضى الفلسطينية. وعلى العكس من ذلك، فإن العلوم والرياضيات يتم تقليلها بشكل متزايد فى نظام التعليم، بل قد يصل الحد إلى غياب تلك المواد بشكل كلى عن مدارس الأرثوذكس المتطرفين.

لا رحمة للفلسطينيين
المجال الرئيسى الآخر لسلطة الدولة التى يتولاها المتدينون، وخاصة المستوطنين، هو المجال الأمنى. لقد عاش المفوض العام للشرطة الإسرائيلية «رونى الشيخ» لسنوات فى مستوطنة تشتهر بهجماتها العنيفة على الفلسطينيين، كما أن كبير الحاخامين الحالى «رحيم براكياهو» هو أيضا من المستوطنين. وقد قام كلاهما بالترويج لبرنامج يوظف المزيد من اليهود المتدينين وانخراطهم فى الشرطة. وقال ناهى إيال «مؤسس البرنامج» إن هدف هذا البرنامج هو مساعدة المستوطنة «على إيجاد طريقنا داخل صفوف القيادة».
والجدير بالذكر أن هذا الاتجاه أكثر ترسخا فى الجيش الإسرائيلي؛ فتشير الإحصائيات إلى أنه على الرغم من أن المستوطنين المتدينين يمثلون 10 فى المائة فقط، إلا أنهم يشكلون نصف عدد الطلاب الضباط الجدد، أى أن نصف الأكاديميات العسكرية الإسرائيلية –الآن ــ من المتدينين. وقد ترجم ذلك إلى وجود دور متزايد للحاخامات الأرثوذكس المتطرفين فى تحفيز الجنود فى ساحة المعركة. ففى حرب إسرائيل على غزة عام 2008ــ2009، قام الحاخامات بنشر منشورات بها أوامر دينية تؤكد على عدم الرحمة بالفلسطينيين، أى تشجيعهم على استخدام القمع والعنف ضدهم.

تدمير الأقصى
تقع أكبر نقطة اشتعال محتملة فى القدس الشرقية المحتلة، حيث تنذر القوة الرمزية والسياسية المتزايدة للحاخامات بالانفجار فى محيط المسجد الأقصى. لطالما لعب السياسيون العلمانيون بالنيران فى هذا الموقع الإسلامى المقدس، مستخدمين ادعاءات أثرية فى محاولة تحويلها إلى رمز للاستحقاق اليهودى التاريخى للأرض، بما فى ذلك الأراضى المحتلة. لكن زعمهم بأن المسجد بنى فوق معبدين يهوديين، تم تدمير الأخير قبل ألفى عام، ولقد تمت إعادة تشكيله بسرعة لأغراض سياسية.
إن النفوذ المتنامى لليهود المتدينين فى البرلمان والحكومة والمحاكم وأجهزة الأمن يعنى أن المسئولين يصبحون أكثر جرأة فى المطالبة بالسيادة على المسجد الأقصى. كما أنه ينطوى على تساهل أكبر تجاه المتطرفين الدينيين الذين يطالبون بالمزيد من السيطرة الفعلية على موقع المسجد، بمعنى آخر يريدون تدمير المسجد الأقصى واستبداله بمعبد ثالث.

تجمع الحرب الدينية
لقد تحولت إسرائيل، ببطء، من مشروع استعماري ــ استيطانى ضد الفلسطينيين إلى صراع مع العالم الإسلامى الأوسع، ومن ثم فإن الصراع تحول من صراع قومى إلى حرب دينية.
إن النمو الديموغرافى للسكان المتدينين فى إسرائيل، وزراعة النظام المدرسى لإيديولوجية أكثر تطرفا تستند إلى الكتاب المقدس، واستيلاء مراكز دينية رئيسية على السلطة من قبل المتدينين، وظهور طبقة من الحاخامات ذوى النفوذ الذين يحثون على الإبادة الجماعية ضد جيران إسرائيل قد مهدت الطريق لعاصفة كاملة فى المنطقة.

إعداد: زينب حسنى عزالدين

النص الأصلى: من هنا

التعليقات