أسبوعان كاملان قبل أن تلوح فى الأفق بشائر الحل فى واحدة من الأزمات التى وضعت شركة مصر للغزل والنسيج فى المحلة الكبرى فى مهب ريح الخسائر التى تهدد وجودها ذاته، باعتبارها واحدة من القلاع الوطنية الكبرى التى «تتعكز» عليها الدولة فى ستر بيوت نحو 17 ألف عامل، وتقى بيوت ملايين المصريين من لهيب الاسعار بمنتجاتها المشهود لها بالجودة، وإن كانت فى حاجة إلى مزيد من الجهد فى عمليات التسويق.
طاف العمال أرجاء الشركة، واضربوا عن العمل، قبل أن يجدوا آذانا صاغية لمطالبهم بصرف العلاوة والحوافز المتأخرة، التى رأت فيها الحكومة خروجا على القانون ولا يمكن تلبيتها باعتبار عمال شركات قطاع الأعمال العام، لا يخضعون لقانون المخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية.
أصر العمال على مشروعية مطالبهم، وأن من حقهم الحصول على تلك العلاوات والحوافز، أسوة بزملائهم فى شركات أخرى، غير أن وزير قطاع الأعمال الدكتور أشرف الشرقاوى رد بأن المضربين يطالبون بعلاوة تخاطب أشخاص آخرين، رغم أن لهم مزايا أفضل من العاملين بالجهاز الإدارى للدولة.
وبين الشد والجذب حول أحقية عمال غزل المحلة فى العلاوة، توقفت الماكينات عن الدوران، وتعطل الإنتاج، وبدأ نزيف الخسائر لشركة تعانى أصلا الخسارة، كما هو الحال فى العديد من شركات القطاع العام، البقرة التى يود الجميع ذبحها لتخطى سنوات عجاف، والتخلص منها إلى الأبد.
الحكومة تعمدت فى بداية الأزمة تجاهل العمال على قاعدة «خليهم يتسلوا»، وتركتهم نهبا للظنون، وألقت بالعبء على كاهل الأمن الذى طوق المصانع، خشية وصول شرارة الاحتجاجات إلى خارج أسوار الشركة بعد أن لوح البعض بنقلها إلى شوارع المحلة، فظهرت دعوات فض الاعتصام بالقوة، وهى فى تقديرى كانت تهديدا ورسالة تحذير لا أكثر، لأن تداعياتها ستكون فادحة.
توقع العمال فى بداية الأزمة أن تعطيهم الحكومة جزءا من اهتمامها، لكن مرت الأيام و«لا حس ولا خبر»، بل إن مسئولين من داخل الشركة سعوا إلى وساطة بعض الإعلاميين للفت نظر كبار المسئولين إلى خطورة تجاهل ما يجرى، متمنين على رئيس الوزراء أن يستقبل عددا منهم لإعطاء، ولو انطباع، أن هناك جدية لتهدئة الخواطر والبحث عن حلول تحفظ ماء وجه الجميع.
وبعد أكثر من أسبوع بدأت الحكومة تدرك الخطر، لكن ماذا فعل وزراؤها المعنيون بالأزمة؟، لم يلتقِ واحد منهم بأى ممثل للشركة أو لجان العمال النقابية، بل هناك من خرج فى الإعلام مهددا ومتوعدا، وكأن العمال أعداء وليسوا شركاء فى خطط التنمية، ويتحملون فوق طاقتهم التأثيرات الجانبية لـ«خطط الإصلاح» التى أشعلت أسعار غالبية السلع الأساسية، وباتت جيوب الجميع تحترق بنيرانها.
الغريب أنه وفى الوقت الذى كان يسعى فيه نواب المحلة فى البرلمان لحل الأزمة كان زملاء لهم يريدونها نار مشتعلة، وطالب أحدهم بتطبيق قانون التظاهر على المحتجين، غير مدرك لخطورة ما يدعو إليه، ومتجاوزا دوره الأساسى فى فن التفاوض والوصول إلى حلول بعيدا عن عصا الأمن الغليظة.
بدورها شددت الحكومة، تلميحا ثم تصريحا، على أنها «لن تقبل لى ذراع الدولة»، حسب تصريح محمد سعفان وزير القوى العاملة، غير أن إدارتها للأزمة ظهرت مرتبكا، فقد كان أمامها العديد من الخطوات لاحتواء الأزمة فى المهد، أو قبل تفاقمها، بما كان سيجنب الشركة خسائر قدرها البعض بأكثر من 60 مليون جنيه، كما أن الاتحاد العام للعمال أكد هو الآخر مدى ضعف قياداته فى التعامل مع الأزمات العمالية.
من السهل تحميل بعض «المندسين والمخربين» مسئولية التصعيد فى أزمة عمال المحلة، غير أن الأصعب الاعتراف بفشل المسئولين فى احتواء ما جرى بطرق أكثر كفاءة، وأقل تهديدا لصرح وطنى عملاق مثل شركة مصر للغزل والنسيج، فى وقت نواجه فيه التحديات على أكثر من صعيد.