«روتينى»، هو المصطلح الدقيق، التراجيدى تقريبا، الذى يمكن من خلاله وصف العملية التى نفذت يوم السبت الماضى فى بلدة حوارة، وقتل خلالها مواطنان إسرائيليان. عمليات شبيهة بها جرت أخيرا فى الضفة (وضمنها حوارة)، وللأسف، يبدو أن عمليات مشابهة لها، وحتى أصعب منها، ستنفذ مستقبلا.
تستوجب العملية فى حوارة أن نلقى نظرة على السياق الاستراتيجى الواسع. على مدى 15 عاما تقريبا، تفتقد إسرائيل إلى سياسة منظمة إزاء الموضوع الفلسطينى: هناك عملية ملاحقة مستمرة للتهديدات الأمنية «اليومية» والتزام مهووس بـ«التسهيلات الاقتصادية» التى يتم التعامل معها على أنها استراتيجية، وفى الوقت نفسه، لا يجرى أى حوار جاد بشأن الواقع الذى سيعيشه الشعبان بعد عدة أعوام، لا على مستوى القيادة، ولا على مستوى الجمهور.
عمليا، وتحت الرادار، يتم الدفع قدما بسياسة، الهدف منها الدمج ما بين الضفة وإسرائيل. ما يقوم به الوزير سموتريتش يعكس جهودا متعددة الأبعاد، الهدف منها، كما صرح الأخير عدة مرات، محو الخط الأخضر وفرض السيادة على الضفة بالتدريج. وهو ما انعكس منذ بداية العام بوتيرة غير مسبوقة من خلال إعطاء تصاريح البناء فى المنطقة، وتخصيص جزء كبير من ميزانية وزارة المواصلات لتطوير الضفة، بالإضافة إلى تشريع 10 بؤر استيطانية والسعى لتوحيد البلدات اليهودية إداريا على جانبى الخط الأخضر.
هذا كله يهدف، حتى من دون إعلان أو حوار سياسى واعٍ، إلى واقع دولة واحدة، فيها شعبان لديهما مكانتان مدنيتان منفصلتان. وفى الواقع الذى تلغى فيه كل الحدود المادية التى تفصل بين العرب واليهود، فإن عمليات صعبة كهذه التى نفذت يوم السبت الماضى فى حوارة، ستكون هى الروتين اليومى، وفى أعقابها، من المتوقع أيضا أن تجرى اشتباكات عنيفة بين المجتمعيْن اللذين يعيشان سويا فى نموذج بلقانى دام.
ممنوع تلخيص الرد على الهجوم من خلال الصيغة الروتينية التى تقوم على إلقاء القبض على المسئولين عن ذلك، أو اغتيالهم، وتعزيز الجهود الاستخباراتية والعملياتية، أو حتى إعلان توسيع البناء فى الضفة. وفى الوقت نفسه، يجب على السياسة الإسرائيلية العامة فى السياق الفلسطينى ألا تتلخص فى «مهدئات» على شكل تسهيلات اقتصادية للمجتمع الفلسطينى أو السلطة، وهو ما لا يمكن اعتباره حلا للمشكلة الأساسية المتمثلة بتصاعد عملية صهر المجتمعيْن، ومن المتوقع ألا تقدم الحد الأدنى من الشروط للدفع بالتطبيع مع السعودية مستقبلا.
من أجل المحافظة على المصالح الوجودية، على إسرائيل البدء بصوغ استراتيجيا بعيدة المدى فى الموضوع الفلسطينى، وفى المقابل، أن تحاول ــ أكثر ما يمكن ــ الدفع بحوار مع القيادة فى رام الله بشأن ترتيبات مستقبلية. هذا الحوار لن يؤدى، كما يبدو، إلى تفاهمات واسعة بين الطرفين، أو إلى نهاية الكراهية والتهديد ضد إسرائيل، لكنه سيكون كافيا إذا وضعت فى إطاره، بالاتفاق، أو بشكل أحادى الجانب ــ حدود معقولة تراعى الحسابات الأمنية الإسرائيلية، وتؤدى إلى تقليص خط التماس بين الشعبين.
بعد أقل من شهر، سنحيى «من دون طبول وأبواق» الذكرى الثلاثين لاتفاقية «أوسلو». وإلى جانب النقاش الداخلى الحاد والمهم بشأن الموضوع القضائى، سيكون من الضرورى أن يبدأ المجتمع، وأيضا القيادة، بحوار بشأن مستقبل الموضوع الفلسطينى الذى لا تقل أهميته عن أهمية الموضوع القانونى، وحتى أنه يمكن أن يكون أهم. على هذا الحوار أن يكون خاليا من أوهام اليوتوبيا، ويرتكز على المعطيات (بالأساس فى الموضوع الديموغرافى) مترافق بالإدراك أن الزمن لا يلعب لمصلحة أى من الأطراف. على المجتمع الإسرائيلى أن يفهم أنه وفى هذا السياق، إذا وصلنا إلى نقطة اللا عودة، حيث الدولة الواحدة، فسيكون على إسرائيل أن تكون إما يهودية، وإما ديمقراطية، ولكن لن يكون ممكنا الاستمرار فى وجود هذين المكونين الأساسيين فى الوقت نفسه.
ميخائيل ميلشتاين
محلل إسرائيلى قناة N12
مؤسسة الدراسات الفلسطينية