جريمة التربح بالدواء - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جريمة التربح بالدواء

نشر فى : الإثنين 23 يناير 2017 - 10:30 م | آخر تحديث : الإثنين 23 يناير 2017 - 10:30 م
أن ترتفع أسعار غالبية السلع الغذائية لمستويات قياسية بعد القرارات الاقتصادية «القاسية» التى اتضح أنها «دامية» تدمى الجيوب، شىء قد يمكن احتماله، بنظرية الاستغناء، فيمكننا مثلا أن نأكل «طقة» ونلغى أخرى، أو أن يأكل الناس «نص بطن»، غير أن ما لا يمكن فهمه، ولا احتماله بأى حال من الأحوال، هو إطلاق سعار المضاربة فى عالم الدواء، لأن دونه القبر لأصحاب الأمراض المزمنة من الفقراء ومحدودى الدخل الذين ألقت بهم الدولة على رصيف العوز، والحاجة.

فقد حسمت الحكومة أمرها، ورضخت للمصنع والمستورد والبائع، وأطلقت يدهم للتصرف مع المرضى باعتبارهم «كنز استراتيجى» يحق نهبه «على عينك يا تاجر»، بعد أن بات الدواء يعامل معاملة أى سلعة يحق جنى الارباح الهائلة من ورائها، وطبعا كله بشرع «الدولار»، الكلمة المفتاح للغلاء والبلاء.

فتحت الحكومة الباب واسعا أمام إخفاء الأدوية عندما أعلنت عن نيتها الاستجابة لرفع سعر أكثر من 3 آلاف صنف، وأقسمت، فى البداية، أن الأمر لن يطول أدوية الأمراض المزمنة، وإذا بها تقرر رفع سعر المئات منها، بدعوى أنها لا تشكل سوى «5%» فقط من اصناف الادوية المتداولة فى السوق المصرى، وهو مبرر أقبح من ذنب رفع السعر ذاته، لأنه قرار يتجاهل أن القضية تتعلق بالأدوية الأكثر تداولا، كون المرضى، وغالبتهم من كبار السن، ومن أحيلوا إلى المعاش، يتناولونه يوميا.

أعطت الحكومة شركات الأدوية، والصيدليات فرصة التلاعب فى السوق خلال الأيام الأخيرة، وشاهدنا اختفاء كاملا للعديد من الأدوية انتظارا لسريان الأسعار الجديدة، لجنى الارباح الطائلة، على حساب المرضى، فلا الحكومة ستتأثر، ولا «تجار الدواء» سيتضررون، بينما المريض يدفع الثمن وحده من صحته وعافيته، بل وعمره فى بعض الحالات.

عن تجربة شخصية، فقد درت على عشرات الصيدليات، ولم أترك صديقا إلا وطالبته بالسؤال لدى الصيدليات التى فى نطاق سكنه، بحثا عن «الأسبرين بروتكت» الذى يتعاطاه مرضى القلب وتصلب الشرايين، يوميا، فلم أفلح فى الحصول على علبة واحدة طوال شهر كامل، مع كامل ثقتى بأنه سيعود إلى أرفف الصيدليات فى اليوم التالى لرفع الأسعار رسميا.

ما جرى مع الأسبرين ربما تكرر مع العديد من أصناف الدواء الأخرى، ولا أحد يحدثنا عن البدائل، لأن هناك انواعا بديلها ناقص أيضا، وقد ترك المرضى، وخاصة اصحاب الأمراض المزمنة، يواجهون مصيرهم، كل حسب ظروف مرضه، فهناك من وجد صنفا ولم يجد الثانى، وهناك من وجد بديلا، ومن لم يجده.. فيما كانت شركات الأدوية والصيادلة يضغطان من أجل تعظيم مكاسبهما من القرارات التى اجبرت الحكومة على اتخاذها برفع الأسعار.

إذن نحن فى الواقع أمام مأساة، وجريمة تتم «بتواطؤ كامل من الحكومة» ضد المرضى اغنياءهم وفقراءهم على السواء، لأن إخفاء الدواء بقصد المتاجرة والتربح منه لا يمكن وصفه سوى بالجريمة، التى قد تتسبب فى إزهاق أرواح، أو تدهور صحة مريض، وهى جريمة تتحمل الحكومة وزرها أولا وآخرون، لانتهاجها سياسات تتيح لأصحاب الضمائر الخربة التلاعب فى أقوات وصحة المصريين المغلوبين على أمرهم.

طبعا لن تكف الحكومة خلال الأيام المقبلة عن الحديث عن رقابتها المشددة لضمانة عدم المغالاة فى أسعار الدواء، وأنها ستضرب بقبضة من حديد على يد كل محتكر، وأنها لن تعطى فرصة لاستغلال المرضى، وهو كلام معاد ومكرر، وأسطوانة أصبح الناس لا يعيرونها اهتماما، فالواقع الملموس يتحدث عن نفسه، فلا رقابة تفعل شيئا، ولا المستغلون للوضع القائم يكفون عن «حلب البقرة» حتى إسالة الضرع للدماء.

 

التعليقات