يوشك رمضان على نهايته ويسدل الستار على ختامه ويجرى الكثيرون لهثا بحثا عن ملابس العيد وكعكه، وآخرون بالطبع يفضلون أن يقضوا العشر الأواخر قريبين من الحرم المكى فى مكة يسجدون ويركعون ويصلون ويتعبدون ثم ينهون يومهم بموائد «متخمة» بالطعام الذى ينتهى الكثير منه فى سلال القمامة وهى أكثر ما يخيم على أجواء رمضان كل عام. كثير من الصوم والتعبد وقراءة القرآن فى الكثير من الأحيان دون استيعاب معانيه والعبر والحكم من الصيام والخشوع والصلاة فى هذا الشهر.
***
يخلع بعضهم أو بعضنا عباءة ويلبسون تلك الخاصة بهذا الشهر ومعه يتحولون فجأة إلى وعاظ ودعاة، وما إن تطلق مدافع العيد حتى يعود الكل إلى روتين يومياته وكأنهم قد سددوا دينهم لربهم وانتهى! يراقب العالم المسلمين ويتربصون لهم طبعا لأن هناك كثيرا من «الإسلاموفوبيا» والفكر اليمينى المتطرف يجتاح الدول «الديمقراطية» جدا حيث حقوق الإنسان لهم وحدهم. ولكن هناك أيضا كثيرا من الدراسات التى تشير إلى التناقض فى وسط المسلمين بين ما يقولونه وما يفعلونه وهم فى ذلك وفى دراساتهم ودراساتنا ليسوا مخطئين فالسؤال «ماذا حدث لنا؟» يطلقه كثير منا نحن قبل هم هناك.
***
بعض المخضرمين مثلنا يتذكرون رمضان بشىء من الحنين، بل ربما الوله، أما الآخرون أى جيل العقود الثلاثة الأخيرة فهو يتصور رمضان وكأنه «كرنفال» أو موسم بطقوس احتفالية مستمرة فى معظمها تتناول السهر والأكل، بل مزيدا من الطعام حتى التخمة ومسلسلات رمضانية حتى التخمة الذهنية أيضا. نعم كيف أصبح رمضان مرتبطا بالمسلسلات أو الدراما التلفزيونية بل موسما للإعلانات التى تكلف ملايين الدولارات لمزيد من الاستهلاك، ذاك المرض الذى غزا العالم مع عولمته وتسلل لبيوتنا كلنا دون استثناء الفقير كما الغنى والمثقف أو المتعلم كما الجاهل والمتدين كما «النص نص» حتى لا نستخدم كلمة ملحد فنسقط فى مستنقع سردية بعض التكفيريين «المتنكرين» فى بدلات وربطات عنق فخمة أو حتى عباءات حريرية!.. كلهم، بل كلنا مستهلكون غير منتجين وأحيانا نتباهى باستهلاكنا وتبعيتنا واستيرادنا المفرط، بل نبيع صناعاتنا أو ما تبقى منها ونتحول إلى اقتصادات ريعية معتمدة على السياحة والترفيه رغم أن الاثنين لو استخدما بحكمة لتحولا إلى مصدر مهم للاقتصادات الوطنية، ولكن!!
***
أثار رمضان 2025 فضول واهتمام بعض كتاب الصحف الأجنبية. وكلهم يتساءلون بعد أكثر من عامين من حرب الإبادة ماذا حدث للمسلمين والعرب وهم يراقبون لحظة بلحظة مشاهد الموت الحى للفلسطينى والعربى الذى يقاوم معه ويسانده فيما الآخرون منا مستمرون فى حياة موازية، بل وهم يتسابقون للحصول على لقمة لإفطارهم ونحن جميعا نجلس متحلقين حول موائد عامرة بما لذ وطاب وما زاد عليهما! ربما لأنهم يدركون أن الدراما هى جزء من الثقافة العامة للشعوب وانعكاس لها بل هى أداة من أدوات التوجيه التى أتقن الجانبان الأمريكى والأوروبى استخدامها فى حروبهما العلنية منها وتلك الحروب الثقافية المختفية تحت غطاءات متعددة! فلا ينسى أحدنا كيف صورت هوليوود الأمريكيين الأصليين، أو المسلمين، أو العرب، أو الأفارقة، أو الآسيويين، كلهم تحت صور نمطية رسموها هم كأى مستعمرين محترفين!!
***
أما سمدار بيرى الكاتبة فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» والتى طالما تفاخرت بأن مقالاتها كلها بناء على علاقات واسعة نسجتها مع «نخب» عربية، فقد تداولت مسلسلات رمضان فى إحدى مقالاتها لتشير إلى أن لا يوجد أى مسلسل يتناول «إسرائيل» أو حتى الحرب على غزة، ولا أى مسلسلات كما كان الحال فى الماضى حول التجسس ضد العدو الصهيونى. وذلك بعد أن شرحت أن معظم «أصدقائها» من النخب العربية الذين هنأتهم بحلول الشهر الكريم شكروها وأضافوا بأنهم على قناعة بأن رمضان لن يكون هادئا، ولكنهم لم يعلقوا معها ولها عن المجازر المستمرة بحق أهلنا فى غزة وأن لا صيام لدى الصهاينة عن الحروب، بل إن مخططهم مستمر وطائراتهم وصواريخهم تعربد فى السماوات العربية القريبة وربما البعيدة أيضا. هى بالطبع تتذكر فيما ربما نسى بعض العرب تلك الأيام حيث كانت شوارع القاهرة وغيرها من العواصم والمدن العربية تخلو من المارة عند بث مسلسل مثل رأفت الهجان، وبعده سلسلة المسلسلات التى تناولت رجال المخابرات المصرية الذين تغلغلوا فى النسيج الاجتماعى الصهيونى وكانت لهم كثير من الإنجازات التى انعكست فى حروب مصر والعرب. سلسلة من المسلسلات التى كانت تزين ليالى رمضان مثل دموع فى عيون وقحة، الحفار، الزيبق، السقوط فى بئر السبع، الصفعة، حرب الجواسيس، عابد كرمان وغيرها حتى إن لم تكن فى مجملها على نفس الدرجة من التقنية فى الفن والتمثيل والسيناريو إلا أنها جميعا عيشت العرب تجارب مهمة من تاريخهم الحديث أو كشفت عن بعضه. يسدل رمضان 2025 الستار ومجرمو الحرب يتوعدون بمزيد من الإبادة لأهل غزة، بل يرسمون الخرائط لمنتجعاتهم السياحية القادمة فوق جثث الأطفال والنساء وكل المؤمنين فى غزة وفلسطين..
كاتبة بحرينية