محاكمة الاحتلال الإسرائيلى فى محكمة العدل الدولية.. كيف نستعد للمحاكمة؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاكمة الاحتلال الإسرائيلى فى محكمة العدل الدولية.. كيف نستعد للمحاكمة؟

نشر فى : الأربعاء 23 نوفمبر 2022 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 23 نوفمبر 2022 - 8:23 م

نشر مركز الحوار العربى مقالا للكاتب عبدالحميد صيام، تناول فيه رد الفعل الصهيونى إزاء إحالة مسألة الاحتلال برمته لمحكمة العدل الدولية، داعيا الجانب الفلسطينى إلى استغلال الفرصة الذهبية، غياب الفيتو الأمريكى، صمام الأمان الإسرائيلى، والاستعداد من خلال إعداد فريق من المحامين الدوليين المتمرسين وتجهيز الوثائق والأفلام وشهود العيان.. نعرض من المقال ما يلى.
كان يوم الجمعة قبل الفائت (11 نوفمبر 2022) يوما عصيبا على الكيان الصهيونى فى لجنة تصفية الاستعمار التابعة للجمعية العامة، التى كان يطلق عليها لجنة المسائل السياسية الخاصة، ثم أدمجت فى اللجنة الرابعة لتكون إحدى أهم لجان الجمعية الست.
إسرائيل لم تكن معنية بقرارات خمسة أخرى تتعلق بوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والجولان السورى المحتل، وحصر أملاك اللاجئين الفلسطينيين، وتقديم المساعدات للشعب الفلسطينى، ولكنها كادت أن تفقد صوابها لتصويت اللجنة على إحالة مسألة الاحتلال برمته للمحاكمة فى أعلى وأهم محكمة عالمية وهى، محكمة العدل الدولية المكونة من 15 قاضيا يمثلون المجموعات الجغرافية كافة.
يذكرنى هذا القرار بحنق الكيان عند اعتماد قرار يعتبر الصهيونية حركة عنصرية وشكلا من أشكال التمييز العنصرى عام 1975، لأن ذلك القرار كان إدانة للأيديولوجية التى قام على أساسها الكيان الصهيونى، أما قرار اللجنة الرابعة الأخير، الذى سيعرض مرة أخرى على الجمعية العامة للاعتماد فى بداية شهر ديسمبر إنما يحاكم ممارسات الحركة الصهيوينة مجسدة فى الاحتلال، وضم الأراضى، وإقامة المستوطنات، والممارسات غير القانونية كافة فى الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشريف.
إسرائيل تعرف أنها تنتهك القانون الدولى منذ اليوم الأول لإنشائها على جسد فلسطين وتعرف أيضا أن هناك مظلة من الحماية الدولية تقيها من خطر المساءلة والمسئولية
لقد مارست إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة كل أنواع الضغط والتهديد لثنى الدول على عدم التصويت لصالح القرار، لكن ذلك لم ينجح فكانت النتيجة أن حصل القرار على 98 صوتا بينما صوتت 17 دولة ضده وصوتت 52 دولة بـ«امتناع». ومن المهم أن نلاحظ الموقف الأوروبى المنافق الذى يعطى الفلسطينيين كلاما معسولا حول حل الدولتين، ولكن فى المواقف الجادة يكشّر عن أنيابه ويصطف إلى جانب إسرائيل، ويعمل على حمايتها من المساءلة والسماح لها بالاستمرار فى ممارسة تلك الانتهاكات الجسيمة. فقد صوتت عدة دول أوروبية ضد القرار من بينها إيطاليا وألمانيا والنمسا وهنغاريا والجمهورية التشيكية واستونيا، وبقية الدول اختارت «الامتناع» ولم يصوت مع القرار من الدول الأوروبية إلا أيرلندا وبلجيكا ومالطا ولوكسومبورج وبولندا والبرتغال. وأغرب الأصوات كان صوت أوكرانيا الذى جاء لصالح القرار، وأعتقد أنه موقف ذكى، إذ كيف من يقاوم الاحتلال سيدعم احتلالا آخر. لكن علينا أن نتذكر أن دولا كانت تعتبر صديقة صوتت بـ«امتناع» مثل اليونان وقبرص والهند وإثيوبيا. وفى كلمة أخيرة قبل التصويت ألقاها السفير الإسرائيلى جلعاد إردان، وهو يرغى ويزبد ويكاد يتفجر غضبا، اتهم الذين سيصوتون مع القرار إنما هم يدمرون عملية السلام (وكأن هناك عملية سلام)، وينهون أى محاولة لاستئناف العملية السلمية، وقال إنها خطوة أحادية يقوم بها الفلسطينيون، وسترد عليهم إسرائيل بخطى أحادية أخرى، وطالب بالتصويت ضد مشروع القرار. وأكد أن بلاده ستعيد النظر فى العلاقات الثنائية مع كل دولة تصوت لصالح القرار.
لماذا الحنق الإسرائيلى؟
إسرائيل تعرف أنها تنتهك القانون الدولى منذ اليوم الأول لإنشائها على جسد فلسطين الأرض والشعب، لكنها تعرف أيضا أن هناك مظلة من الحماية الدولية تقيها من خطر المساءلة والمسئولية. وعندما يتعلق الأمر بمجلس الأمن فالفيتو الأمريكى ظل دائما يشكل صمام الأمان لإسرائيل. لكن هذه المرة لا يوجد فيتو، وهو ليس قرارا للجمعية العامة مثل قراراتها السابقة، بل يحتوى على خطوة عملية بإحالة مسألة الاحتلال نفسه للمحاكمة، مثلما فعلت الجمعية نفسها عندما طلبت عام 2003 من محكمة العدل الدولية أن تبت فى مسألة قانونية الجدار العنصرى، الذى باشرت إسرائيل آنذاك ببنائه بشكل أساسى على الأرض الفلسطينية. تحول القرار إلى محاكمة لقانونية الجدار استمرت 9 أشهر، صدرت فى نهايتها يوم 4 يوليو 2004 فتوى قانونية مكونة من ثلاثة أقسام: الجدار غير شرعى، يجب أن يفكك ويجب أن يتم تعويض الفلسطينيين الذين تضرروا من بناء الجدار. هذه المرة المحاكمة أوسع بكثير من محاكمة الجدار. إنها محاكمة لكل منظومة الاحتلال وآثاره وتبعاته. وعلى المحكمة أن تجيب عن عدد مهم من الأسئلة الجوهرية، تتعلق بالتبعات القانونية الناجمة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، واحتلالها الطويل والاستيطان وضم الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فى ذلك قيامها بتغيير التركيبة الديمغرافية والطابع الثقافى والمكانة التاريخية لمدينة القدس الشريف، واعتماد إسرائيل تشريعات وإجراءات تمييزية لتكريس هذه السياسة. كما ستجيب المحكمة عن أثر السياسات والممارسات الإسرائيلية على الوضع القانونى للاحتلال، والتبعات القانونية بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة الناتجة عن هذا الوضع. إسرائيل تعرف معنى القرار وتعرف أنها فى ورطة كبيرة: فإن شاركت فى المرافعات والمداولات، فسيكون ذلك بمثابة اعتراف بأنها دولة احتلال، وأنها فى حالة انتهاك للقانون الدولى وعليها أن تدافع عن انتهاكات واضحة وضوح الشمس. وإن هى قاطعت، وهو المتوقع كما حصل فى محاكمة الجدار، سيستفرد خصمها (الفلسطينيون) بتقديم بيانات الإدانة على مهل ويقوم المحامون بتقديم كل الوثائق والبيّنات التى تدين السلطة القائمة بالاحتلال. لهذا جُن مندوب الكيان مثل جنون حاييم هيرتسوك عندما اعتمد قرار الصهيونية عام 1975.
آلية المحاكمة
ستقوم الجمعية العامة أولا باعتماد القرار المقبل إليها من اللجنة الرابعة. وتصبح لغة القرار صادرة عن الجمعية العامة وموجهة إلى محكمة العدل الدولية. وهذه مرحلة الإحالة. وهذا منصوص عليه فى ميثاق الأمم المتحدة وفقا للمادة 96، الذى يخول الجمعية العامة بطلب رأى استشارى من محكمة العدل الدولية حول مسألة خلافية ذات طابع قانونى. المحكمة ستتسلم القرار وتعمل على التعامل معه عملا بالمادة 65 من النظام الأساسى للمحكمة، الذى يخولها أن تصدر فتوى بشأن المسائل الخلافية ذات الطابع القانونى، كما فعلت مع الجدار العازل. والمحكمة مخولة بحكم قانونها الأساسى أن تراجع وتقرر من هو فى حالة انتهاك لقواعد ومبادئ القانون الدولى، بما فى ذلك ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الإنسانى الدولى، والقانون الدولى لحقوق الإنسان. تناقش المحكمة أولا السؤال الدائم فى أى قضية: هل من اختصاص محكمة العدل الدولية أن تنظر فى هذه المسألة. وهذه مسألة إجرائية فى غالب الأحيان تحظى بالإجماع، إذا كان هناك نص واضح عملا بالقاعدة الشرعية «لا اجتهاد مع النص». بعد قرار المحكمة (قرار وليس رأيا) بأن المسألة قيد النظر تقع ضمن اختصاصها، تصبح الطريق سالكة للمحاكمة. تطلب عندئذ المحكمة من طرفى النزاع أن يتقدما بمرافعاتهما ووثائقهما. إسرائيل ستقاطع (هذا ما نتوقعه) وهنا ستلوح فرصة ثمينة أمام الفلسطينيين لمحاكمة الكيان الصهيونى برمته على مرأى من العالم. وعليهم اتخاذ الخطوات التالية من بين خطوات أخرى كثيرة:
أولا: يجب تحضير طاقم متكامل من المحامين الدوليين المتمرسين بالمحاكمات الدولية، وعلى علم واسع بالقانون الدولى. ويفضل اختيار عدد من الذين عملوا فى هذا الميدان ثم تقاعدوا مثل، ريتشارد فولك، ومايكل لنك وفرجينيا تيلى. ويجب ألا ننسى فرنسيس بويل المختص بالقانون الدولى والقضية الفلسطينية، إضافة إلى طاقم المحامين أو بعضهم الذين جمّعهم ناصر القدوة عام 2003 لمتابعة مرافعات المحكمة حول جدار الفصل العنصرى ومنهم ديانا بطو ومايكل ترزى وغيرهم.
ثانيا: يجب إعداد الوثائق والأفلام والأشرطة كافة، التى تظهر وحشية الاحتلال الإسرائيلى. ويجب الاستعانة بالتقارير الدولية المهمة كافة، وهى كثيرة، التى توثق هذه الممارسات.
ثالثا: تقديم تفاصيل عن حركة الاستيطان والأراضى المصادرة والرسومات البيانية التى تثبت أن هناك نية مبيتة لنقل مواطنين من دولة الاحتلال إلى الأراضى المحتلة، عن سبق إصرار وترصد بهدف مصادرتها وتغيير الطابع الديموغرافى للأرض المحتلة.
رابعا: تقديم كل الوثائق والمستندات والمعلومات، التى تؤكد سعى إسرائيل المتواصل إلى تهويد القدس عن طريق زيادة السكان اليهود وتسهيل انتقالهم إلى القدس وفى الوقت نفسه تقليص عدد الفلسطينيين، وتدمير ممتلكاتهم وإغلاق مؤسساتهم، وفرض المناهج الإسرائيلية على السكان العرب، وتحديد الوصول إلى أماكن العبادة والسماح للمستوطنين بتدنيس المقدسات وارتكاب المجازر فى أماكن العبادة.
خامسا: استهداف الأشخاص المحميين قانونا كالصحفيين وعمال الإغاثة الطبية وناشطى حقوق الإنسان والنساء وذوى الاحتياجات الخاصة والأطفال ومحاكماتهم فى محاكم عسكرية وقضايا الاعتقال الإدارى وحجز الجثامين وانتهاك حقوق الأسرى والمعتقلين.
سادسا: يجب إعداد مجموعة مهمة من شهود العيان وضحايا الاحتلال الذين قتل أبناؤهم بدم بارد، أو أحرقت بيوتهم كعائلة الدوابشة وأبو خضير وغالية وغيرهم المئات. هؤلاء يجب تأمين وصولهم للإدلاء بشهاداتهم أمام القضاة.
هذا غيض من فيض. فليبدأ الإعداد للمحكمة من الآن. لا وقت للتردد. فلتكن محاكمة القرن لأبشع احتلال عرفه التاريخ المعاصر.

التعليقات