فازت الكاتبة الفرنسية آنى إرنو، قبل نحو ثلاثة أسابيع، بجائزة نوبل للآداب، لتكون أول امرأة فرنسية تحظى بهذا التكريم، غير أن مؤيدى الكيان الصهيونى داخل فرنسا وخارجها، لم يعجبهم الأمر وشنوا حملة ضارية على الأديبة، ذات الميول اليسارية، بالتوازى مع موجة تشهيرعاتية فى الصحافة الإسرائيلية لدفاعها عن الفلسطينيين، والمطالبة بحقوقهم التاريخية التى سلبتها قوات الاحتلال منذ أكثر من سبعين عاما.
طبعا من المتوقع أن تواجه الأديبة الفرنسية، هذا الهجوم من مؤيدى إسرائيل فى فرنسا خصوصا، والغرب عموما، وأن تكون مادة خصبة لعشرات المقالات والموضوعات فى الصحافة الإسرائيلية التى ألصقت بها التهمة الجاهزة «معاداة السامية» لأنها تجرأت وانتقدت الأعمال الوحشية التى تقوم بها قوات الاحتلال على مدار عقود فى حق الشعب الفلسطينى، لكن غير المنطقى التجاهل شبه التام فى الإعلام العربى، باستثناء قلة من الكتاب الذين التفتوا لما يدور على ساحة الصراع مع إسرائيل.
الكاتبة الفرنسية التى وقفت فى أكثر من محطة مع الشعب الفلسطينى وحقوقه، لا يليق الصمت العربى على ما تتعرض له من حملة منظمة للنيل منها والتقليل من قيمة منجزها الثقافى الذى توج بجائزة نوبل للآداب، فقد كنا نتوقع أن تجد الروائية الكبيرة مساندة عربية، لا نقول تعادل حملة التشهير بها فى الإعلام الصهيونى، ولكن على الأقل أن تشعر معها هذه السيدة أن هناك عربا يقدرون وقوفها إلى جانب الحق والعدل، وأنها ليست وحدها فى الميدان.
هذا لا ينفى أن هناك بعض الكتاب ممن لا يزال لديهم حس المسئولية نبهوا إلى خطورة حملة التشهير والهجوم المنظم على الأديبة الفرنسية، غير أن الأمر يظل دون التوقعات من آلاف المثقفين والصحفيين والإعلاميين العرب الذين يفرض عليهم انتماؤهم لهذه الأرض والمصير المشترك، مساندة الكاتبة الفرنسية وأمثالها من المثقفين فى كل مكان من هذا العالم، كونهم رموزا للدفاع عن الخير والحق فى زمن بات فيه من يدافع عن المضطهدين غير مرحب به.
إرنو التى أعلنت تأييدها للحق الفلسطينى من دون مواربة، ودعت لمقاطعة الأنشطة الفنية والثقافية الإسرائيلية فى فرنسا خصوصا وأوروبا عموما، وهاجمت العدوان الإسرائيلى المتكررعلى غزة، تستحق الدعم والمساندة من المؤسسات الثقافية العربية، ومن المثقفين العرب، وأن نشهد فى المنتديات والمحافل الثقافية العربية ندوات ومؤتمرات تحمل رسائل التقدير والامتنان لأديبة غردت خارج الأسراب المعادية للعرب وتلك المؤيدة لإسرائيل.
أعلم أن هناك من يقول إن القضية الفلسطينية لم تعد على سلم أولويات صناع القرار العرب، وسط من يهرولون إلى الحضن الإسرائيلى، مع تجاهل الإعلام الرسمى عمدا لفداحة ما يحدث، وهو ما انسحب بظلاله القاتمة على شارع عربى غالبية سكانه يكافحون لتدبير لقمة عيش شحيحة. كما أن هناك تيارا يقول، للأسف، ما لنا وما يجرى فى فلسطين، و«دعونا نلتفت لمصالحنا» وهى نظرة ضيقة تضيع معها مصالحهم لو يعلمون!
وعلى الرغم من كل الغيوم التى تتلبد بها سماء البلدان العربية فى الوقت الراهن ستظل القضية الفلسطينية لب المشكلة فى المنطقة، ولن تقوم لنا قائمة ولن نمتلك ناصية المستقبل مادام الحق الفلسطينى ضائعا، وبالتالى علينا الاهتمام بتفاصيل ما يدور حولنا، فالهجوم على الأديبة الفرنسية لا يمكن نزعه من سياق الصراع الدائر مع الكيان الصهيونى منذ أكثر من 7 عقود، والهجوم الذى تتعرض له آنى إرنو هو جزء من صراع يضرب بتأثيره السلبى على حاضرنا ومستقبلنا.
نتمنى أن يخرج المثقفون العرب عن صمتهم وأن تجد آنى إرنو ما يدفع عنها الشعور بخيبة الأمل ممن اختارت الانحياز إلى قضيتهم الأم.