فى منتصف التسعينيات انتقدت صحيفة العربى الناصرية السلطات السعودية بسبب الانتهاكات التى تعرض لها بعض المصريين هناك.
بعد النشر حضر إلينا فى الجريدة ــ التى تشرفت بالعمل فيها وقتها ــ الدكتور أسامة الباز ــ شفاه الله ــ وكان يعمل مديرا لمكتب الرئيس السابق حسنى مبارك للشئون السياسية.
الدكتور الباز رجا رئيس التحرير الأستاذ محمود المراغى ــ رحمه الله ــ تهدئة حملة انتقاد السعودية لأن تفكير بعض مسئوليها لا يتصور ان هناك صحفا مصرية يمكنها انتقاد الرياض إلاإذا تلقت موافقة الحكومة.
الباز قال أيضا: «جئت لكم راجيا وليس ضاغطا، وعليكم أن تتخيلوا ان بعض المسئولين السعوديين يمكن ان «يضايقوا» العمالة المصرية هناك»، ثم ان السعودية وقتها تعهدت بتمويل شحنة قمح كانت موجودة على السفن فى البحر.
هل القصة السابقة هدفها ان نتوقف عن انتقاد الحكومة السعودية أو أى حكومة أخرى يثبت انها تنتهك حقوق عمالتنا، خوفا على قيام هذه الدولة أو تلك بطرد عمالتنا؟!.
العكس هو الصحيح تماما، بل ربما لو أن الدول العربية كانت تدرك ان حكومات مبارك كانت جادة فى الدفاع عن مصالح رعاياها، ما تجرأت على الإساءة لأى مواطن مصرى.
لو كانت لدينا حكومات تحترم مواطنيها كنا سنضمن على الأقل ان البلدان العربية الشقيقة ستتعامل معهم مثلما تتعامل مع العمالة الآسيوية.
إذا كنا نتظاهر ضد حكومتنا والمجلس الأعلى من أجل الحرية والكرامة، فمن باب أولى أن نحتج ضد أى حكومة أخرى تنتهك كرامة أى مصرى.
لكن ــ وفى المقابل ــ وإذا كنا نطالب المتظاهرين ضد حكومتنا بالتحضر فى احتجاجهم، فمن باب أولى نطالبهم بذلك إذا تعلق الأمر بالاشقاء العرب.
فى اللحظة التى يثبت لنا فيها ان مصريا واحدا تعرض للإهانة أو انتهاك الحقوق فى أى مكان بالعالم، علينا أن نلجأ إلى كل وسيلة احتجاجية سلمية ممكنة حتى نعيد له حقه.
الخطأ كل الخطأ ان ينزلق بعضنا إلى المراهقة السياسية ويسىء إلى كل المصريين من حيث لا يدرى.
من أمثلة ذلك ما حدث صباح الثلاثاء الماضى أمام السفارة السعودية حينما تظاهر مصريون احتجاجا على احتجاز سلطات المملكة للمحامى المصرى احمد الجيزاوى بتهم متنوعة تبدأ بحيازة مخدرات وتنتهى بالعيب فى الذات الملكية.
ان نتظاهر ونحتج أمام سفارة السعودية فهو سلوك حضارى، لكن ان يزيل البعض اسم سفارة السعودية ويضع نجمة داود الإسرائيلية مكانها أو يحرق علمها أو يرسم عبارات مسيئة على جدران سفارتها فهو سلوك صبيانى ضرره أكبر من نفعه، خصوصا أن التفكير الحكومى السعودى الذى كان سائدا عام 1994 لم يتغير كثيرا هذه الأيام.
من قبيل النضج السياسى ألا نسىء لشعب بأكمله هو الشعب السعودى أو أى شعب عربى آخر، أو حتى شعب أجنبى، فلا يمكن مثلا ان نقول ان كل الشعب الأمريكى بلطجى أو كل الشعب السودانى كسول، أو كل الشعب العراقى دموى.
من حقنا ان نختلف مع بعض ممارسات الحكومة السعودية لكن ليس من مصلحتنا أن نخسر كل الشعب السعودى.. ليس فقط لان لدينا حوالى مليون مصرى يعملون هناك ويدعمون الاقتصاد بقوة، ولكن ــ وهذا هو المهم ــ لانه شعب عربى شقيق وبعضهم ضد سياسات المملكة نفسها ويتوقون مثلنا للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
علينا ان نقنع الحكومة السعودية وكل الحكومات العربية ان زمن التعامل معنا بطريقة مبارك قد انتهت إلى غير رجعة، وان الكرامة مسألة لا يمكن مقايضتها بكل كنوز الدنيا.. لكن علينا ان نفعل ذلك بطريقة محترمة ومتحضرة.